ما من شعب على وجه الأرض في العصر الحديث قدم لحكامه الولاء و الطاعة ، و تنازل عن حقوقه المدنية و عن جزء كبير من حقوقه الإنسانية لفترة طويلة من الزمن قياسا بمعايير المدة الدستورية لأنظمة الحكم في الحكومات الجمهورية في العالم الآن ، و من ثم لم ير هذا الشعب من هؤلاء الحكام سوى العسف و الظلم و ممارسة جميع أشكال و ألوان الغدر و القهر و محاصرة العيش و الرزق ... كالشعب السوري .
نقول هذا الكلام بعد أن اشتدت الأزمة الحالية في سوريا ، و بعد أن اختلط الحابل بالنابل ، و بعد أن تكشفت المؤامرة الحقيقية على الشعب السوري ... و الشعب فحسب ... ليس إلا ..!
في البداية كنا مقتنعين كامل الاقتناع بأن هناك مؤامرة تستهدف بالدرجة الأولى المواقف السياسية للنظام الحالي في سوريا الذي يوصف بالممانعة و بالصمود و التصدي لمؤامرات الهيمنة الاستعمارية ، و لقوى الامبريالية في العالم و على رأسها العدو الصهيوني ... و قد عاش الشعب السوري منخدعا بهذه الادعاءات و هذه الشعارات التي كان ينادي بها النظام السوري و ما يزال برعاية الاستعمار ــ لمدة طويلة من الزمن ... و تحت هذا الشعار سوق النظام السوري لنفسه الكثير من ألوان الدعاية و الإعلان ليوفر لأركانه الديمومة و الاستمرار ، و ليوفر لطغاته الغطاء العربي و الإسلامي و العالمي على أنه نظام ديمقراطي و ثوري و يسعى لتحرير الأراضي العربية السليبة ، و ليطهرها من الاحتلال الصهيوني الغاشم .
نعم ... هناك موأمرة كبيرة ، و طويلة الأمد ... على سوريا كأرض و كشعب استهدفت ماضيها و حاضرها ... و تستهدف الآن مستقبلها و مستقبل أبنائها ...
وهي مؤامرة طويلة الأمد ... لأنها بدأت منذ زمن بعيد ، منذ أن وطأت جحافل الجيوش الاستعمارية الأوربية بأقدامها أرض سوريا العظيمة ... و دنستها بفتنها و مؤامراتها و دسائسها و اعتمدت على بعض الفئات العميلة لها من داخل أطياف و فسيفساء الشعب السوري ، لتنفيذ مخططاتها الاستعمارية و لحماية الكيان الصهيوني على أرض فلسطين ، و انطلقت من إستراتيجية استعمارية أساسها المقولة التي تقول : فرق لتسد ... ! ، و تحت هذه المقولة تنطوي كثير من الحقائق التي طفت فوق السطح ، و انكشفت تحت ضوء الشمس في جو ربيع الثورات العربية التي يشهدها العالم العربي اليوم .
و هي مؤامرة كبيرة ... لأن أطرافها ليسوا أحزابا أو جماعات أو طوائف أو زعماءً روحيين أو سياسيين .. و إنما لأن المتآمرين هم الدول العظمى في العالم في العصر الحديث التي رعت و أشرفت و دعمت قيام دولة العدو الصهيوني على أرضنا العربية السليبة ... و على رأسهم أمريكا و روسيا و فرنسة و بريطانيا ، و مجددا ... تركيا و بعض كبرى الدول الأسيوية الصناعية ..!
فجميع هذه الدول يهمها بالدرجة الأولى توفير الأمن القومي لإسرائيل ، و حماية حدود هذه الدويلة العنصرية مع جيرانها من الدول العربية ( و خاصة مع سوريا ) ... ثم يهم هذه الدول بالدرجة الثانية ... خدمة مصالحها الاستعمارية و الإستراتيجية على كافة الأصعدة و المستويات
... و لو كان ذلك على حساب قتل الشعب السوري و سفك دمه و تشريده و ترويعه بوسائل القمع التقليدية و الحديثة المتطورة التي صرف من أجل توفيرها و الاستحواذ عليها النظام السوري ملايين الدولارات ، مستعينا بهذه الدول الكبرى التي أشرنا إليه آنفا .... فلا مندوحة من القول اليوم .. أن النظام السوري الحالي يستقوي على شعبه بهذه الدول و بمواقفها المتذبذبة حيال الحراك الشعبي و الثوري الكبير في مختلف المحافظات السورية ... و أن دماء السوريين التي نزفت لمدة طويلة من الزمن ما هي إلا قرابين تسفك على مذبح الأحقاد الاستعمارية و الصليبية و الصهيونية ، و تقدم ليرضى الطاغوت الاستعماري و الصهيوني عن طاغية النظام السوري الذي كان كالثعلب المخادع الذي غدر بالسوريين لسنوات عدة ، و أدى ما عليه من طقوس الصلوات الماسونية و الصليبية ، و حاز بجد و اجتهاد وسام الشرف الماسوني كأول طاغية عربي في العصر الحديث يوجه البندقية و الدبابة و المدفع إلى صدور شعبه ... و يروع الأطفال
و النساء ، و يقتل الرجال و الشباب بهذا الشكل المرعب و المقزز الذي تأباه الإنسانية ... بل و
الحيوانية أيضا ..!
فمن كان يصدق أن الجيش السوري .... الذي بنيناه بسواعدنا و رويناه بدمائنا ودموعنا لينمو و
يشب و ليصبح من أقوى الجيوش العربية .. من أجل تحرير أرضنا ، و استعادة حقوق شعوبنا ،
ينكص على عقبيه بأمر الطاغية الخائن القاتل ، و يصبح كالوحش الكاسر ..! و ينقض على الشرفاء من الشعب السوري ، و يرهب بهدير دبابته و طائراته الصغير و الكبير في مختلف المحافظات السورية .
إن الذي يقرأ التاريخ بتمعن و حذر ... يدرك على الفور أن طاغية النظام السوري يؤدي دوره
المرسوم له من قبل أربابه المستعمرين خدمة للسياسة الماسونية في العالم العربي ــ و بشكل
خاص في سوريا التي تشكل بأرضها و شعبها قلعة منيعة أمام تحقيق الأهداف الماسونية في
الشرق الأوسط ـــ و يفعل ما يفعله من قتل و سفك للدماء مستعينا بأقرانه من شياطين الإنس في الوقت الحاضر ، و على رأسهم الشيطان الأكبر الولايات المتحدة الأمريكية ، ثم أمين سر شياطين الإنس في العالم .... روسيا البلشفية ..! التي يحكمها كبار رجال المافيا في العالم أجمع
كان أحد الأصدقاء في بداية ثورة الكرامة و الحرية في سوريا يقول لي مستبشرا : أبشر فإن الثعلب لم يبق لطغيانه و مكره سوى أياما معدودات ، و قد قاربت نهايته ..! و هذه الدول الكبرى تندد بظلمه و طغيانه و غدره و تدعوه للتنحي و الرحيل كغيره من حكام العرب المخلوعين ..!
فكنت أسخر منه ضاحكاً ، و أقول له : يا أبله ... إننا في سوريا ... ( و هي الخاصرة الضعيفة لإسرائيل ) .... و لا يحكمنا غول أو دب أو حمار .. و إنما ثعلب مكار ...! و لا تلق بالا لما يقوله فلان أو فلان ... لأن الثعلب كلما أمعن في مكره و دهائه و غدره بمن حوله كلما حاز ثقة معلميه ... و لسوف ترى أن تهديدات و تنديدات الدول الكبرى لهذا الطاغية المكار سوف تتبخر في الهواء كلما أخذته العزة بالإثم و أمعن بالقتل و التمثيل بالشعب السوري ، و كلما اشتد أوار آلات حربه على أجسادنا و بيوتنا ، و كلما تصاعدت وتيرة حقده فوق رؤوسنا ... و كلما علت زفرات غدره و طغيانه ... كلما كسب ثقة الدول الكبرى و نال رضاها و رعايتها له ... و كلما انخفض حماسهم في ردعه و نهيه عما يفعل من مجازر وحشية بحق الشعب السوري ..! و كلما أعطي الفرصة أكثر في قهر الشعب و إذلاله ..!
فالشعب السوري ... هو المستهدف يا صاحبي من النظام الذي يحكمه ... و من الأنظمة الامبريالية و الاستعمارية في العالم ، و من الدكتاتوريات في العالم العربي ... فقل لي بربك : بماذا تفسر كلام وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية (مدام كلينتون ) و ما أدراك ما كلينتون ..؟! بعد خمسة أشهر من القتل و التنكيل
بهذا الشعب الأبي من قبل هذا الطاغية الجزار .. و ذلك عندما قالت و صرحت لوسائل الإعلام : يجب على المجتمع الدولي الضغط على الأسد لحمله على التنحي ..!
و بماذا تفسر حماس رئيس وزراء تركيا (الباشا أردوغان ) ... ـــ و مَنْ غير أردوغان صديقا مقربا للأسد ..! ـــ لثورة الشعب السور ي و تهديده للأسد و أركان نظام
حكمه عندما كانت ثورة الكرامة و الحرية في بداياتها الأولى ، و لم يكن وقتها عدد القتلى و الشهداء على أيدي شبيحة النظام السوري يتجاوز العشرات ... ثم الآن بعد أن تجاوز عدد القتلى و الشهداء الثلاث آلاف و نيف ... و المعتقلين... و المفقودين... ! و المشردين بالآلاف ... لم نعد نسمع له أدنى تصريح أو نصرة للشعب السوري ..! بل على العكس إن اللاجئين السوريين في تركيا يلاقون معاملة سيئة جدا في مخيمات اللاجئين التي أصبحت أشبه بالمعتقلات ..!
و قد طهر على وسائل الإعلام أخيرا يتنصل من مواقفه الأولى التي اتخذها من النظام السوري بأسلوب ينطوي على كثير من معايير الدهاء و الخداع السياسي ، قائلا بالحرف الواحد : إنه لن يتكلم مع الأسد بعد اليوم ..!؟ لأن الأسد لم يف بوعوده و يوقف العنف .. ومن ثم يحمل الشعب السوري الثائر أكثر مما يطيق قائلاً : إن النظام الذي قام على الدماء لا يرحل إلا بالدماء ... أو لم يكف أردوغان الدماء التي نزفت من السوريين بعد ..؟! و أين تبخرت المهلة التي أعطاها للنظام السوري كي يوقف عنفه و وحشيته المسلطة فوق رقاب الشعب السوري ..؟ .. حقا صدق أردوغان ... ! لن يتدخل بعد اليوم .... و عندما حمل المتظاهرون السوريون اللافتات التي كتب عليها : ( خمسة عشر يوما تكفي لقتلنا .. ) عقب الزيارة الأخيرة لوزير خارجيته الباكباشي أوغلو أفندي ..! الذي ينطبق عليه قوله تعالى : ( قتل الخراصون ) ..! كانوا يصوبون كبد الحقيقة ... و الأتراك لا خير فيهم مع العرب بعد اليوم ..! و عندما قال الشاعر العربي بالأمس :
أمة يعرب تيهي و افرحي سقط العرش عرش عبد الحميد
بني يعرب لا تأمنوا الترك بعدها بني يعرب إن الكلاب تصول ..!
كان يستعجل سبر أغوار حقيقة نفوس الأتراك الذين لا يأمن لهم جانب تجاه العرب ...! و لقد سكت الأتراك ( و على رأسهم الباشا أردوغان ) بعد أن هاجرت إلى مصارفهم و بنوكهم مليارات الليرات السورية ... التي طبع الأتراك عليها بالحبر السري غير المقروء : تشكرات أفندم ..!
و قل لي بربك : كيف تفسر تنديد أحد ملوك العرب الحاليين بتصرفات النظام السوري و قمعه للمتظاهرين بهذه الوحشية ... ثم إن في سجونه أكثر من ألفي مغترب سوري .. اعتقلوا لأنهم قاموا بمظاهرة اعتصام أمام السفارة السورية احتجاجا على القتل و القمع الوحشي للمتظاهرين في سوريا من قبل شبيحة النظام ..! بحجة أن التظاهر مخالف للقوانين في بلاده تحت أي سبب ..!
بل مما يضحك العاقل و يحزنه في وقت واحد معاً ... أن مواقف الدول العربية الكبرى من الثورة السورية تتكيف مع تصريحات كبار المسئولين الأمريكيين ... فعندما كان المستر أوباما يطالب الأسد ( سيد شريعة الغاب في العالم ) بالتنحي و يقول عنه : أنه فقد شرعيته ..! كنا نسمع تصريحات كبار ملوك و حكام العرب تطالب الأسد بوقف العنف المسلط على رقاب شعبه ..! و عندما خرس المستر أوباما و لم تعد شفتيه تنبث بأدنى حرف أو كلمة ... خرست بالضرورة أشداق العرب عن الرقص في حلبة السرك العالمي ..!
و لكن يبقى الأمل معقود
بأمير دولة قطر ( الذي هو في الحقيقة أقرب حكام العرب من ربيع الثورات العربية اليوم )
و قد صوب كبد الحقيقة عندما قال : إن الشعب السوري لن يسكت عن المطالبة بحقوقه بعد اليوم ..! و لهذا يأمل الشرفاء و المعارضون في سوريا اليوم أن يؤتي تصريح أمير دولة قطر أوكله و يثمر في الفضاء العربي ، و يعجل من التصعيد السياسي لحمل النظام السوري على و قف زوبعة العنف التي شنها ضد شعبه ..!
و لك الله ... و لا أحد معك إلا لله يا شعب سوريا العظيم ..!
بقلم
عبد الرزاق كيلو
أمين عام حركة شباب سوريا الأحرار