|~ مُنْتَدَيَات جَنَّات~|
العفو في الإسلام ( ملف كامل وغني ) 6210
مرحبا" بكم في منتديات جنات ويسعدنا أن تكونوا من أفراد أسرتنا فتفضلوا بالتسجيل وإن كان لكم حسابا" عندنا فتفضلوا بالدخول
‏_‏
ودمتم بحفظ الله
‏_‏
الإداره
العفو في الإسلام ( ملف كامل وغني ) 6310
|~ مُنْتَدَيَات جَنَّات~|
العفو في الإسلام ( ملف كامل وغني ) 6210
مرحبا" بكم في منتديات جنات ويسعدنا أن تكونوا من أفراد أسرتنا فتفضلوا بالتسجيل وإن كان لكم حسابا" عندنا فتفضلوا بالدخول
‏_‏
ودمتم بحفظ الله
‏_‏
الإداره
العفو في الإسلام ( ملف كامل وغني ) 6310
|~ مُنْتَدَيَات جَنَّات~|
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

|~ مُنْتَدَيَات جَنَّات~|

في أوج العطَاء
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 العفو في الإسلام ( ملف كامل وغني )

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
the storm
مدير المنتدى
مدير المنتدى
the storm


مزاجي : https://i.servimg.com/u/f60/14/70/54/10/ang210.jpg
الجنس : ذكر
علم دولتي : https://i.servimg.com/u/f60/14/70/54/10/morocc10.jpg
عدد المساهمات : 147
تاريخ التسجيل : 01/01/2010
الموقع : فِي مَكَان مَا

العفو في الإسلام ( ملف كامل وغني ) Empty
مُساهمةموضوع: العفو في الإسلام ( ملف كامل وغني )   العفو في الإسلام ( ملف كامل وغني ) Emptyالجمعة أبريل 27, 2012 11:24 am


نتحدث هنا بإيجاز عن نظرية العفو فـي الإسلام وسنحاول طرح الموضوع فـي ثلاث نقاط طلباً للاختصار وتعميماً للفائدة .
النقطة الأولـى : ندب الإسلام إلـى العفو والصفح بين المسلمين بطرق شتى ولم يفرضهم فرضاً وفـي مقابله شرع الإسلام العقوبة ليشعر الإنسان أن حقوقه مصونة ومحفوظة . ويكون عفوهم بعد ذلك سـماحة خالصة تتم عن طيب نفس لا طاعة مزيفة فليس فـي طبيعة الإنسان أن يتخلى عن جميع حقوقه فـي جميع الأحوال وقد جاءت كيثراً من الآيات الكريمة التي ورد فيها ذكر العقوبة مع العفو تارة قبل وتارة بعده .
قال تعالـى : " عفى الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام " المائدة 95 " اعلموا أن الله شديد العقاب وإن الله غفور رحيم " المائدة 98 " وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب " الرعد 6 " نبئ عبادي إنـي أنا الغفور الرحيم وإن عذابـي هو العذاب الأليم " الحجر 49 ، 50 " وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خيراً للصابرين " النحل 126 " غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول " غافر 3 .
ومن خلال تتبعنا لهذه الآيات نجدها صريحة فـي أن للعقوبة موضعها وللعرف موضعه ، فهي قد انتهجت طريقاً وسطاً بين العقوبة والعفو فهو أدعى بالحزم وأدعى إلـى السلم والأمان . فلو شرعت العقوبة وحدها لملأت البغضاء القلوب ولو شرع العفو وحده لسادت الفوضى واستهتر المجرمون .
النقطة الثانية : ذكرنا آنفاً إنه ليس من طبيعة النفس البشرية العفو والصفح عمن أساء إليها أو اعتدى على حق من حقوقها بل من طبيعتها الانتقام والثأر ولهذا نجد أن الإسلام كما قدمنا قد رغب فـي العفو ترغيباً وندب إليه ندباً ولم يفرضه فرضاً ومن وسائل وطرق الترغيب فـي العفو نجد أن الله تبارك وتعالـى وصف نفسه بالعفو ووصف به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وطلبه منه ، ووصف به المقربين المخلصين من عباده لتكون مُثلاً عليا فـي حياة المسلم وقدوة للعباد يهتدون بهم ويستينرون بهداهم دون أن يلزمهم به .
لنقرأ الآيات الكريمة التي وصف الله تعالـى بها نفسه بالعفو . قال تعالـى : " ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون " البقرة 52 " ومن يغفر الذنوب إلا الله " آل عمران 135 " ولقد عفونا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين " آل عمران 152 " ولقد عفـى الله عنهم إن الله غفور حليم " آل عمران 155 " كتب ربك على نفسه الرحمة من عمل منكم سوء بجهالة ثم تاب من بعد وأصلح فإنه غفور رحيم " الأنعام 54 " وهو الذي يقبل التوبة عن عبادة ويعفو عن السيئات " الشورى 5 .
ومما وصف الله به رسوله الكريم (ص) أو أمره به قوله عز شأنه " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم " آل عمران 159 " ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلاً منهم فاعف عنهم واصفح " المائدة 13 " يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن الكثير : المائدة 15 " لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم " التوبة 128 " ادفع بالتي هي أحسن " المؤمنين 96 " فاصبر صبراً جميلاً " المعارج 5 .
ومما وصف عباده المقربين قوله تعالـى " والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية ويدرؤون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار " الرعد 22 " وعباد الرحمن الذين يمشون على هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما " الفرقان 63 " ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولـي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم " فصلت 33 ، 35 " .
وهذه المثل العليا الثلاثة تنير السبيل لمن شاء أن يتشبه بصفات الله تعالـى فإن أعجزه ذلك تمثل بأخلاق الرسول (ص) فإن عز عليه ذلك جاهد نفسه أن يكون من طبقة خاصة من المؤمنين ، فالحكمة بليغة وضعت أمامنا هذه المثل العليا ، ولحكمة بليغة كانت على هذا التدرج .
النقطة الثالثة : لو علم الله تعالـى إن النفس البشرية تميل إلـى العفو لأمر به أمراً ، ولكنه عز شأنه يعلم أن الطبيعة البشرية تنفر من الأمر المباشر لها ، هذا من ناحية وناحية أخرى إنها لا تأتمر بما تشعر أن فيه تجاوز على حقها ، لذلك لم يأتـي العفو بصيغة الأمر إلا قليلاً ، وإنما جاء بصورة مرغبة نادبة "وإن تعفو أقرب للتقوى" البقرة 237" فقد جعل العفو أقرب للتقوى إذاً عدم العفو أبعد عن التقوى "سارعوا إلـى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون فـي السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن والله يحب المحسنين "آل عمران 133 ، 134" .
وننبه هنا إلـى نكتة دقيقة جديرة بالانتباه وهي أننا نلاحظ أن الرسول (ص) يتلقى صيغة الأمر المباشر من الله تعالـى دون وجود المرغبات فـي العفو وهذه الصيغة خاصة بالرسول (ص) حيث أنه (ص) لديه الاستعداد الروحي لأن يؤمر بالعفو بصورة مباشرة ، أما سائر الناس فليس لديهم تلك الروح العالية لتلقي الأمر المباشر بالعفو ، بل يصحب الأمر بالكثير المرغبات ، فتجد أن صيغ الأمر يسبقها أو يلحقها فـي كثير من الآيات عبارات ملطفة لتتهيأ نفس الإنسان لقبول الأمر بالعفو عن خصمه والتنازل عن بعض حقوقه قال تعالـى " ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولـي القربى والمساكين والمهاجرين فـي سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم "النور 22" ومن أحسن قولاً ممن دعا إلـى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولـى حمي وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم "فصلت 32 ، 35. وهذا من باب الإغراء ، لأن هذه النفوس ليست لها القدرة كما للرسول (ص) فاحتاجت إلـى الندب والإغراء والحث لتقدم على العفو بنفس راضية ، ولهذا تجد أنه فـي الخطاب الحديث لا تستخدم صيغ الأمر فـي ميادين الحياة المختلفة ( التربوية ، الاجتماعية ، السياسية ... ) بل تستخدم بصور أخرى أكثر تلطفاً مع الآخرين ( لو سـمحت ، من فضلك … )
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
the storm
مدير المنتدى
مدير المنتدى
the storm


مزاجي : https://i.servimg.com/u/f60/14/70/54/10/ang210.jpg
الجنس : ذكر
علم دولتي : https://i.servimg.com/u/f60/14/70/54/10/morocc10.jpg
عدد المساهمات : 147
تاريخ التسجيل : 01/01/2010
الموقع : فِي مَكَان مَا

العفو في الإسلام ( ملف كامل وغني ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: العفو في الإسلام ( ملف كامل وغني )   العفو في الإسلام ( ملف كامل وغني ) Emptyالجمعة أبريل 27, 2012 11:25 am

دعا الاسلام الى التسامح والعفو بين الافراد والجماعات حفزاً على تجنب تكرار الشر والفساد، واملاً في ان يكون ذلك العفو سبيلاً للاصلاح، فقد ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز دفع العدوان والافساد بالتي هي احسن قال تعالى: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن، فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم}. ذلك ان هذا الدفع بالحسنى يجلب المحبة والثقة بين الناس، وقد أمر الله سبحانه وتعالى نبيه الكريم - عليه الصلاة والسلام - بالعفو والصفح عمن اساء او يسيء اليه قال تعالى: {فاصفح الصفح الجميل} فالاسلام يحث على الصبر والصفح بدل القتل والقتال، والرفق واللين بدل العنف والعدوان، قال ابن القيم - رحمه الله - حقيقة العفو: اسقاط حق ثابت جوداً وكرماً مع القدرة على الانتقام، فمن ترك ما وجب له من الحقوق شرعاً فهو عاف، وان عفو الله سبحانه وتعالى هو اسقاطه لحقوقه او بذله لفضله.
فالعفو حق ثابت للعافي دون المعفى عنه، فيؤدي هذا الحق اختيارياً ابتغاء الاجر والثواب من الله تعالى من غير جبر او اكراه، قال سبحانه: {فمن عفا وأصلح فأجره على الله}. ذلك ان العفو هو التنازل عن الحق الثابت للعافي جوداً وكرماً في علو ورفعة ومقدرة على اخذ الحق، ومن غير ضعف او استسلام او قبول الدينة من الاشرار المعتدين المفسدين.
لقد بلغ الاسلام قمة التسامح عندما عبر عن اخلاقيات العفو عند المؤمنين، وما يؤدي اليه من محبة ومودة بين الناس، واعطاهم درساً في الآداب حتى مع الكافرين الذين رفضوا الايمان بالله. يقول تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين}. ويقول سبحانه: {وان تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم}.
واذا كان من اللازم معاقبة المعتدين والمفسدين من الافراد والجماعات، فإن العقاب يجب أن يكون في مقابلة المعاملة بالمثل من غير اعتداء او تجاوز للحد، واذا كان مجال العفو والصبر والتسامح ممكناً فيكون هو الاولى بالاتباع.
وفي السنة النبوية، ان الرسول - عليه الصلاة والسلام - قال: «ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله». فالمعنى ان من عرف بالعفو والصفح ساد وعظم في القلوب، وزاده الله عزة وكرامة ورفعة الى جانب جزيل المثوبة في الآخرة.
وقال عليه الصلاة والسلام: «إن الله عز وجل عفو يحب العفو ولا ينبغي لوالي امر ان يؤتى بحد إلا اقامه ثم قرأ قوله تعالى: {وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم}.
وفي هذا التوجيه الكريم حث على العفو مع عظم الجريمة، وترك العقوبة على هذا الجرم ابتغاءً لوجه الله تعالى ورغبة في الاجر والمثوبة. ومن الشواهد التاريخية في الاسلام انه: لما فتح النبي - عليه الصلاة والسلام - مكة سنة ثمان من الهجرة قال لقريش: «ما ترون أني فاعل بكم؟».
قالوا: خيراً، أخ كريم وابن اخ كريم، فقال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء، اقول لكم ما قاله اخي يوسف لاخوته: لا تثريب عليكم». فلم يتعرض لأحد من اهلها في النفس او المال بأذى، فضرب بذلك - عليه الصلاة والسلام - المثل الاعلى في العفو عند المقدرة، وذلك قمة الصفح والسماحة في وقت كان يستطيع ان ينتقم منهم مقابل ما لاقاه منهم من اذى ومقاتلة وعدوان.
إن في روح الاسلام من العفو والسماحة الانسانية تجاه البشرية كلها ما لا يملك منصف من البشر ان ينكره، فهي تحث على تآلف الاجناس، واشاعة التراحم والمودة بين الناس، والتأدب بالآداب الاسلامية، ونبذ الحقد والحسد والتباغض، ليتحقق العدل والانصاف واعطاء الحقوق لأصحابها والمساواة بين بني البشر.
[u]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
the storm
مدير المنتدى
مدير المنتدى
the storm


مزاجي : https://i.servimg.com/u/f60/14/70/54/10/ang210.jpg
الجنس : ذكر
علم دولتي : https://i.servimg.com/u/f60/14/70/54/10/morocc10.jpg
عدد المساهمات : 147
تاريخ التسجيل : 01/01/2010
الموقع : فِي مَكَان مَا

العفو في الإسلام ( ملف كامل وغني ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: العفو في الإسلام ( ملف كامل وغني )   العفو في الإسلام ( ملف كامل وغني ) Emptyالجمعة أبريل 27, 2012 11:25 am

إنسانية العفو في الإسلام


بقلم الدكتور محمود أحمد الزين


العفو خلق إنساني كريم يدعو الناس في كثير من الأحيان ـ حين تذهب عنهم العصبية ـ إلى أن ينضموا إلى أهل هذا الدين ويدخلوا في نطـاق هـذا الدين الإنساني النبيل دين الإٍسلام .

العفو من أخلاق الفضل لا من أخلاق العدل فقط ، فالعدل أن تأخذ حقك من الآخرين والفضل أن تهب الناس ما لا يجب لهم عليك وتتنازل عن حقك لهم رحمةً وتفضلاً وإحساناً .

وقد حثنا الله عز وجل على العفو فقال تعالى : ( وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم ) وهذه الآية جاءت في مناسبة الذين آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سمعة زوجته يوم حادثة الإفك وهو أمر قد يحسبه الناس هيناً وهو عند الله عظيم بل إن الله سبحانه وتعالى أمر بالعفو والصفح عن أهل الكتاب الذين كانوا يرغبون في أن يردوا المسلمين عن دينهم حسداً من عند أنفسهم فقال سبحانه وتعالى : ( ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير ) ولم يأمر بعقابهم إلا بعد أن تمادوا في إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ونقضوا عهده وتحالفوا مع أعدائه وحتى في حالة الحرب والتي اشتد فيها أذى المشركين أهل الأوثان يوم غزوة أحد حيث قتلوا من أصحابه سبعين رجلاً ومثلوا بهم أسوأ التمثيل أمر الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم بالعدل عند الانتقام ثم حثهم على الصبر والعفو والتسامح فقال سبحانه : ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير الصابرين )

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته كلها يعامل الناس بالعفو والتسامح والإحسان فكان العفو عنده خلقاً دائماً إلا أن يجد أن الإنسان الذي عفا عنه لا يتعامل معه معاملة من يعترف بالعفو ويعترف بالحق بل يعامل النبي صلى الله عليه وسلم معاملة من يريد أن يستغل عفوه ويستغل رحمته حينئذٍ يعاقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم معاقبة الحق لا معاقبة الظلم معاقبة العدل ـ الذي هو ميزان الله عز وجل ـ إذا لم ينفع الفضل مع ذلك الإنسان و كان على هذا الخلق مع الناس جميعاً منذ بعثه الله عز وجل إلى أن لقي الله تبارك وتعالى كان يعامل الأفراد بذلك وكان يعامل الجماعات بذلك وكان يسأل الله عز وجل للناس الرحمة مع أنهم قد ظلموه وهذا من أعظم أنواع العفو التي يمكن أن يأتي بها إنسان صاحب خلق إنساني رفيع .

رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعثه الله تعالى وأعلن دعوته للناس آذاه قومه إيذاءً شديداً وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم بينما كان ساجداً عند البيت جاءه رجل من قريش فأخذ أقذار ذبيحة كانت قد ذبحت فألقاها على ظهره صلى الله عليه وسلم ومع ذلك ما نالهم من النبي صلى الله عليه وسلم إلا العفو و إلا الصفح .

كثير منهم آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إيذاءً شديداً وأظهر ما يُرى هذا في موقفه صلى الله عليه وسلم يوم الطائف سلط عليه أولئك الكافرون الرفضون دعوته سلطوا عليه سفهاءهم ومجانينهم وصبيانهم أن يرموه بالحجارة وأن يشتموه وخرج صلى الله عليه وسلم من الطائف والحجارة تصيب عقِبيه ـ أي قدميه من خلف ـ فتدمى أقدامه صلى الله عليه وسلم حتى إذا انتهى إلى خارج البلد جلس يدعو الله عز وجل فيقول صلى الله عليه وسلم في دعائه :

( اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي غير أن عافيتك هي أوسع لي أعوذ بنور وجهك الذي اشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تُحِلّ بي غضبك أو تُنْزل بي سخطك لك العتبى حتى ترضى ) يأتيه حينئذٍ ملك الجبال فيقول له : ( إن الله عز وجل أمرني أن أطيعك فيهم فإن شئت أن أطبق عليهم الجبال فعلت ) فما يكون من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يقول : ( لا يا أخي عسى الله أن يخرج من أصلابهم من يوحد الله )

وهذا كثر منه صلى الله عليه وسلم كلما آذاه قومه كان يقول : ( اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون )

نعم ، الله تبارك وتعالى حث رسوله صلى الله عليه وسلم وحث أمة رسوله صلى الله عليه وسلم على العفو وبذلك كانوا يعاملون الناس وكانت هذه المعاملة سبباً لدخول كثيرين منهم في الإسلام .

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أصحابه وجاءه وفد من الأعراب قال سيدهم : يا رسول الله إن قومي قد أسلموا وإنه جاءتهم هذه السنة سنة قحط ولا نبات في بلادنا وإني أخشى أن يتشاءموا ويقولوا ما أصابنا هذا إلا من هذا الدين فلو أعطيتني شيئاً أنفقه عليهم خشية أن يتركوا هذا الدين ويتشاءموا به ولم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ شيء فإذا برجل يهودي يقال له : زيد بن سُعْنَة أو زيد بن سعية حسب اختلاف الروايات ، زيد هذا عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرضه مقداراً من التمر كبيراً على أن يعطيه إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم القادم فأخذ منه النبي صلى الله عليه وسلم ليعطي أولئك المحتاجين .

وههنا تظهر رحمته صلى الله عليه وسلم يستدين لينفق وهذا مما لا يقدر عليه إلا أولوا العزم من أنبياء الله عز وجل ومن كان على سيرتهم .

ثم جاء هذا الرجل زيد بن سعنة قبل أن يحين الأجل بقليل جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد أعطني حقي قال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الأجل لم يحن ) فأخذ الرجل برداء رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند عنقه وشده شداً عنيفاً حتى أثّر في عنقه وقال : يا محمد أعطني حقي فإنني ما علمت يا بني هاشم إلا أنكم قوم مطل أي تماطلون في أداء الحقوق .

لم يزد النبي صلى الله عليه وسلم على أن تبسم في وجهه وإذا بعمر بن الخطاب رضي الله عنه يغضب لهذا الأذى فيقول : يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا الكافر فقد آذى لله ورسوله .

فيقول النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن عفا عن الرجل يا عمر كنت أنا وهو أحوج منك إلى غير هذا ، كنتُ أحوج إلى أن تأمرني بحسن الأداء وكان أحوج إلى أن تأمره بحسن الطلب فيقول اليهودي زيد بن سعنة : "أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله " والله يا رسول الله ما حملني على ما صنعت إلا أني قرأت أخلاق الأنبياء في التوراة فوجدت صفات الأنبياء ونظرت إليك فوجدتها كلها فيك إلا هذا الخلق لم أجربه فجربته اليوم وهو أن النبي يسبق حلمُه غضبَه وعفوُه انتقامَه ولا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً وقد رأيت ذلك يا رسول الله وهذا ما دعاني إلى الإسلام .

هذا جانب من جوانب صفح النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو تطبيق لأمر الله عز وجل وقدوة للناس جميعاً ، تطبيق لأمر الله تعالى في قوله :
( وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم ) وقدوة لكل إنسان مسلم ليتعامل مع الناس بالإنسانية فيكشف للناس جميعاً أن دينه دين الإنسانية فهذا هو التعامل الذي يسوق الناس إلى الإسلام ،والجهاد لم يكن يوماً من الأيام سبب قهر الناس على الإسلام وإنما الجهاد مرادٌ منه كسر شوكة الطغاة الذين يحولون بين أممهم وبين معرفة الإسلام ثم يعطي الإسلام للناس حريتهم ويعاملهم بأخلاقه الإنسانية ، يعاملهم بالرحمة ،يعاملهم بالعدل، يعاملهم بالصفح ، يعاملهم بالإحسان ليعرفوا أن هذا كله من رحمة الله الذي أنزل هذا الدين .

هذا الدين الذي جعل فيه الأخلاق الإنسانية الكاملة التي يعيش الناس في ظلها مرحومين متآخين متعاونين على ما تحتاجه الحياة الإنسانية .

ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان هو القدوة المثلى في كل موقف من المواقف في العفو والصفح ولو أنت ذهبت تنظر في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لوجدتَها كلها قائمة على هذا العفو .

كنتُ قلتُ : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من أخلاقه العفو ولكنه كان إذا وجد الذي يعفو عنه لا يعرف قيمة هذا المعروف ويريد أن يستغله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعامله بالعدل .

أسر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر رجلاً يقال له : أبو عزة الجمحي كان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم في مكة بعد الغزوة قال : يا محمد إني رجل ذو عيال وإنما عندي بنات لا كاسب لهن فإن شئت أن تعفو عني فعلت فأطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم دون فداء وشرط عليه أن لا يهجوه ولكن الرجل بعد أن عفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع إلى مكة وراح يهجو النبي صلى الله عليه وسلم ويطعن على دعوته إذاً هذا رجل لا يستحق العفو وما زاده العفو إلا إيذاءً و إلا إجراماً ويوم أحد وقع في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلب العفو من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا والله لا تمسح عارضيك بمكة وتقول خدعت محمداً مرتين )

المخادع لا يستحق العفو والصفح ولذلك عامله رسول الله صلى الله عليه وسلم ههنا بالعدل فقتله لأنه جاء يقاتله ومن جاء يقاتلك كان حريصاً على قتلك فإذا ظفرت به فمن العدل أن تقتله لا سيّما إذا لم ينفع معه العفو .

العفو هو الخلق الإنساني النبيل الذي أمرنا الله عز وجل به ودعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه وكان فيه قدوتنا المثلى .

والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
the storm
مدير المنتدى
مدير المنتدى
the storm


مزاجي : https://i.servimg.com/u/f60/14/70/54/10/ang210.jpg
الجنس : ذكر
علم دولتي : https://i.servimg.com/u/f60/14/70/54/10/morocc10.jpg
عدد المساهمات : 147
تاريخ التسجيل : 01/01/2010
الموقع : فِي مَكَان مَا

العفو في الإسلام ( ملف كامل وغني ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: العفو في الإسلام ( ملف كامل وغني )   العفو في الإسلام ( ملف كامل وغني ) Emptyالجمعة أبريل 27, 2012 11:26 am

العفو
طلب أحد الصالحين من خادم له أن يحضر له الماء ليتوضأ، فجاء الخادم بماء، وكان الماء ساخنًا جدًّا، فوقع من يد الخادم على الرجل، فقال له الرجل وهو غاضب: أحرقْتَني، وأراد أن يعاقبه، فقال الخادم: يا مُعَلِّم الخير ومؤدب الناس، ارجع إلى ما قال الله -تعالى-. قال الرجل الصالح: وماذا قال تعالى؟!
قال الخادم: لقد قال تعالى: {والكاظمين الغيظ}.
قال الرجل: كظمتُ غيظي.
قال الخادم: {والعافين عن الناس}.
قال الرجل: عفوتُ عنك.
قال الخادم: {والله يحب المحسنين}. قال الرجل: أنت حُرٌّ لوجه الله.
*حكى لنا القرآن الكريم مثالا رائعًا في قصة نبي الله يوسف -عليه السلام- مع إخوته، بعد أن حسدوه لمحبة أبيه له، فألقوه في البئر ليتخلصوا منه، وتمرُّ الأيام ويهب الله ليوسف -عليه السلام- الملك والحكم، ويصبح له القوة والسلطان بعد أن صار وزيرًا لملك مصر.
وجاء إليه أخوته ودخلوا عليه يطلبون منه الحبوب والطعام لقومهم، ولم يعرفوه في بداية الأمر، ولكن يوسف عرفهم ولم يكشف لهم عن نفسه، وترددوا عليه أكثر من مرة، وفي النهاية عرَّفهم يوسف بنفسه، فتذكروا ما كان منهم نحوه، فخافوا أن يبطش بهم، وينتقم منهم؛ لما صنعوا به وهو صغير، لكنه قابلهم بالعفو الحسن والصفح الجميل، وقال لهم: {لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين}.
*كان النبي صلى الله عليه وسلم نائمًا في ظل شجرة، فإذا برجل من الكفار يهجم عليه، وهو ماسك بسيفه ويوقظه، ويقول: يا محمد، من يمنعك مني. فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم بكل ثبات وهدوء: (الله).
فاضطرب الرجل وارتجف، وسقط السيف من يده، فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم السيف، وقال للرجل: (ومن يمنعك مني؟).
فقال الرجل: كن خير آخذ. فعفا النبي صلى الله عليه وسلم عنه. [متفق عليه].
*وضعت امرأة يهودية السم في شاة مشوية، وجاءت بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقدمتها له هو وأصحابه على سبيل الهدية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرد الهدية، لكن الله -سبحانه- عصم نبيه وحماه، فأخبره بالحقيقة.
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإحضار هذه اليهودية، وسألها: (لم فعلتِ ذلك؟
فقالت: أردتُ قتلك. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (ما كان الله ليسلطكِ علي).
وأراد الصحابة أن يقتلوها، وقالوا: أفلا نقتلها؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (لا)، وعفا عنها. [متفق عليه].
*ذات يوم، أراد مَعْنُ بن زائــدة أن يقتل مجموعة من الأسـرى كانوا عنده؛ فقال له أحدهم: نحن أسراك، وبنا جوع وعطش، فلا تجمع علينا الجوع والعطش والقتل. فقال معن: أطعمـوهم واسقوهم. فلما أكلوا وشربوا، قـال أحدهم: لقد أكلنا وشربنا، فأصبحنا مثل ضيوفك، فماذا تفعل بضيوفك؟!
فقـال لهم: قد عفوتُ عنكم.
*ما هو العفو؟
العفو هو التجاوز عن الذنب والخطأ، وترك العقاب عليه.
عفو الله -عز وجل-:
الله -سبحانه- يعفو عن ذنوب التائبين، ويغفر لهم، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعفُ عني) [الترمذي].
عفو الرسول صلى الله عليه وسلم:
تحكي السيدة عائشة -رضي الله عنها- عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتقول: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قط بيده ولا امرأة، ولا خادمًا، إلا أن يجاهد في سبيل الله. [مسلم].
وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبيًّا من الأنبياء -صلوات الله وتسليماته عليهم- ضربه قومه، فأَدْمَوْه وهو يمسح الدم عن وجهه، ويقول: (رب اغفر لقومي؛ فإنهم لا يعلمون) [متفق عليه].
وقد قيل للنبي: ( ادْعُ على المشركين، فقال: (إني لم أُبْعَثْ لَعَّانًا، وإنما بعثتُ رحمة) [مسلم].
ويتجلى عفو الرسول صلى الله عليه وسلم حينما ذهب إلى الطائف ليدعو أهلها إلى الإسلام، ولكن أهلها رفضوا دعوته، وسلَّطوا عليه صبيانهم وعبيدهم وسفهاءهم يؤذونه صلى الله عليه وسلم هو ورفيقه زيد بن حارثة، ويقذفونهما بالحجارة حتى سال الدم من قدم النبي صلى الله عليه وسلم.
فنزل جبريل -عليه السلام- ومعه ملك الجبال، واستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في هدم الجبال على هؤلاء المشركين، لكن النبي صلى الله عليه وسلم عفا عنهم، وقال لملك الجبال: (لا بل أرجو أن يُخْرِجُ الله من أصلابهم من يعبد الله وحده، ولا يشرك به شيئًا) [متفق عليه].
وعندما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة منتصرًا، جلس صلى الله عليه وسلم في المسجد، والمشركون ينظرون إليه، وقلوبهم مرتجفة خشية أن ينتقم منهم، أو يأخذ بالثأر قصاصًا عما صنعوا به وبأصحابه. فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر قريش، ما تظنون أني فاعل بكم؟).
قالوا: خيرًا، أخ كريم، وابن أخ كريم.. قال: (اذهبوا فأنتم الطلقاء)
[سيرة ابن هشام].
فضل العفو:
قال تعالى: {وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم} [التغابن: 14].
وقال تعالى: {وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم} [النور: 22].
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كظم غيظًا وهو قادر على أن يُنْفِذَهُ دعاه الله -عز وجل- على رُءُوس الخلائق حتى يخيِّره الله من الحور ما شاء).
[أبو داود والترمذي وابن ماجه].
وليعلم المسلم أنه بعفوه سوف يكتسب العزة من الله، وسوف يحترمه الجميع، ويعود إليه المسيء معتذرًا.
يقول تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} [فصلت: 34]. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما نَقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزَّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله) [مسلم].
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
the storm
مدير المنتدى
مدير المنتدى
the storm


مزاجي : https://i.servimg.com/u/f60/14/70/54/10/ang210.jpg
الجنس : ذكر
علم دولتي : https://i.servimg.com/u/f60/14/70/54/10/morocc10.jpg
عدد المساهمات : 147
تاريخ التسجيل : 01/01/2010
الموقع : فِي مَكَان مَا

العفو في الإسلام ( ملف كامل وغني ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: العفو في الإسلام ( ملف كامل وغني )   العفو في الإسلام ( ملف كامل وغني ) Emptyالجمعة أبريل 27, 2012 11:27 am



أسرار السعادة



هناك آيات تستحق التدبر والوقوف طويلاً، فالله تعالى أمرنا أن نعفو عمن أساء إلينا حتى ولو كان أقرب الناس إلينا، فما هو سر ذلك؟ ولماذا يأمرنا القرآن بالعفو دائماً ولو صدر من أزواجنا وأولادنا؟ يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [التغابن: 14].

طبعاً كمؤمنين لابد أن نعتقد أن كل ما أمرنا به القرآن الكريم فيه النفع والخير، وكل ما نهانا عنه فيه الشر والضرر، فما هي فوائد العفو؟ وماذا وجد العلماء والمهتمين بسعادة الإنسان حديثاً من حقائق علمية حول ذلك؟

في كل يوم يتأكد العلماء من شيء جديد في رحلتهم لعلاج الأمراض المستعصية، وآخر هذه الاكتشافات ما وجده الباحثون من أسرار التسامح! فقد أدرك علماء النفس حديثاً أهمية الرضا عن النفس وعن الحياة وأهمية هذا الرضا في علاج الكثير من الاضطرابات النفسية، وفي دراسة نشرت على مجلة "دراسات السعادة" اتضح أن هناك علاقة وثيقة بين التسامح والمغفرة والعفو من جهة، وبين السعادة والرضا من جهة ثانية.

فقد جاؤوا بعدد من الأشخاص وقاموا بدراستهم دراسة دقيقة، درسوا واقعهم الاجتماعي ودرسوا ظروفهم المادية والمعنوية، ووجهوا إليهم العديد من الأسئلة التي تعطي بمجموعها مؤشراً على سعادة الإنسان في الحياة.

وكانت المفاجأة أن الأشخاص الأكثر سعادة هم الأكثر تسامحاً مع غيرهم! فقرروا بعد ذلك إجراء التجارب لاكتشاف العلاقة بين التسامح وبين أهم أمراض العصر مرض القلب، وكانت المفاجأة من جديد أن الأشخاص الذين تعودوا على العفو والتسامح وأن يصفحوا عمن أساء إليهم هم أقل الأشخاص انفعالاً.

وتبين بنتيجة هذه الدراسات أن هؤلاء المتسامحون لا يعانون من ضغط الدم، وعمل القلب لديهم فيه انتظام أكثر من غيرهم، ولديهم قدرة على الإبداع أكثر، وكذلك خلصت دراسات أخرى إلى أن التسامح يطيل العمر، فأطول الناس أعماراً هم أكثرهم تسامحاً ولكن لماذا؟

لقد كشفت هذه الدراسة أن الذي يعود نفسه على التسامح ومع مرور الزمن فإن أي موقف يتعرض له بعد ذلك لا يحدث له أي توتر نفسي أو ارتفاع في ضغط الدم مما يريح عضلة القلب في أداء عملها، كذلك يتجنب هذا المتسامح الكثير من الأحلام المزعجة والقلق والتوتر الذي يسببه التفكير المستمر بالانتقام ممن أساء إليه.

ويقول العلماء: إنك لأن تنسى موقفاً مزعجاً حدث لك أوفر بكثير من أن تضيع الوقت وتصرف طاقة كبيرة من دماغك للتفكير بالانتقام! وبالتالي فإن العفو يوفر على الإنسان الكثير من المتاعب، فإذا أردت أن تسُرَّ عدوك فكِّر بالانتقام منه، لأنك ستكون الخاسر الوحيد!!!
/


نقره على هذا الشريط لعرض الصورة بالمقاس الحقيقي

بينت الدراسات أن العفو والتسامح يخفف نسبة موت الخلايا العصبية في الدماغ، ولذلك تجد أدمغة الناس الذين تعودوا على التسامح وعلى المغفرة أكبر حجماً وأكثر فعالية، وهناك بعض الدراسات تؤكد أن التسامح يقوي جهاز المناعة لدى الإنسان، وبالتالي هو سلاح لعلاج الأمراض!


وهكذا يا أحبتي ندرك لماذا أمرنا الله تعالى بالتسامح والعفو، حتى إن الله جعل العفو نفقة نتصدق بها على غيرنا! يقول تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) [البقرة: 219]. وطلب منا أن نتفكر في فوائد هذا العفو، ولذلك ختم الآية بقوله: (لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) فتأمل!

بسبب الأهمية البالغة لموضوع التسامح والعفو فإن الله تبارك وتعالى قد سمى نفسه (العفوّ) يقول تعالى: (إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا) [النساء: 149]. وقد وجد بعض علماء البرمجة اللغوية العصبية أن أفضل منهج لتربية الطفل السوي هو التسامح معه!! فكل تسامح هو بمثابة رسالة إيجابية يتلقاها الطفل، وبتكرارها يعود نفسه هو على التسامح أيضاً، وبالتالي يبتعد عن ظاهرة الانتقام المدمرة والتي للأسف يعاني منها اليوم معظم الشباب!

ولذلك فقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم، وبالطبع كل مؤمن رضي يالله رباً وبالنبي رسولاً، أمر بأخذ العفو، وكأن الله يريد أن يجعل العفو منهجاً لنا، نمارسه في كل لحظة، فنعفو عن أصدقاءنا الذين أساؤوا إلينا، نعفو عن زوجاتنا وأولادنا، نعفو عن طفل صغير أو شيخ كبير، نعفو عن إنسان غشنا أو خدعنا وآخر استهزأ بنا... لأن العفو والتسامح يبعدك عن الجاهلين ويوفر لك وقتك وجهدك، وهكذا يقول تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف: 199].

ومن روائع القصص النبوي الشريف أن رجلاً لم يعمل في حياته حسنة قط!! تأملوا هذا الرجل ما هو مصيره؟ إلا أنه كان يتعامل مع الناس في تجارته فيقول لغلامه إذا بعثه لتحصيل الأموال: إذا وجدتَ معسراً فتجاوز عنه لعل الله أن يتجاوز عني، فلما مات تجاوز الله عنه وأدخله الجنة، سبحان الله! ما هذا الكرم الإلهي، هل أدركتم كم نحن غافلون عن أبواب الخير، وهل أدركتم كم من الثواب ينتظرنا مقابل قليل من التسامح؟

وأخيراً أخي المؤمن، هل تقبل بنصيحة الله لك؟؟! إذا أردت أن يعفو الله عنك يوم القيامة فاعفُ عن البشر في الدنيا! يقول تعالى مخاطباً كل واحد منا: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [النور: 22].

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
the storm
مدير المنتدى
مدير المنتدى
the storm


مزاجي : https://i.servimg.com/u/f60/14/70/54/10/ang210.jpg
الجنس : ذكر
علم دولتي : https://i.servimg.com/u/f60/14/70/54/10/morocc10.jpg
عدد المساهمات : 147
تاريخ التسجيل : 01/01/2010
الموقع : فِي مَكَان مَا

العفو في الإسلام ( ملف كامل وغني ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: العفو في الإسلام ( ملف كامل وغني )   العفو في الإسلام ( ملف كامل وغني ) Emptyالجمعة أبريل 27, 2012 11:28 am

"العفو" كلمة قرآنية، وردت في كتاب الله تعالى مرتين، إحداهما في قوله تعالى: ((ويسألونك ماذا يُنفقون قل العَفْو )) [البقرة:219]. وثانيتهما في قوله تعالى: ((خُذِ العفو وأْمر بالعرف وأعرضْ عن الجاهلين )) [الأعراف:199].

ولقد حرر المفسرون - رحمهم الله - مفهوم "العفو" الوارد في هاتين الآيتين، فقال الفخر الرازي في تفسير الآية الأولى: "ويسألونك ماذا يُنفقون قل العَفْو " قال: اعلم أن هذا السؤال قد تقدم ذكره فأجيب عنه بذكر المصرف (Cool . وأعيد هنا فأجيب عنه بذكر الكمية. . إذا عرفت هذا فنقول: كأن الناس لما رأوا الله ورسوله يحضّان على الإنفاق، ويدلان على عظيم ثوابه، سألوا عن مقدار ما كلفوا به، هل هو كل المال أو بعضه؟ فأعلمهم الله أن "العفو" مقبول.

ولكن ما هو العفو؟ يجيب الفخر الرازي: قال الواحدي رحمه الله: أصل العفو في اللغة الزيادة ، قال تعالى: ((خُذ العفو )) [الأعراف:199] أي الزيادة، وقال أيضاً: ((حتى عفوا )) [الأعراف:95] أي زادوا على ما كانوا عليه في العدد، قال القفال: "العفو" ما سهل، وتيسر، مما يكون فاضلاً عن الكفاية. . . . وإذا كان "العفو" هو التيسير، فالغالب إنما يكون فيما يفضل عن حاجات الإنسان في نفسه وعياله، ومن تلزمه مؤنتهم، فقول من قال: "العفو" هو الزيادة راجع إلى التفسير الذي ذكرنا (9) .

وقال رحمه الله في تفسير آية سورة الأعراف "خذ العفو. ." بيَّن في هذه الآية: ما هو المنهج القويم، والصراط المستقيم في معاملة الناس، فقال: خذ العفو وأْمر بالعرف، قال أهل اللغة: العفو، الفضل وما أتى من غير كلفة. إذا عرفت هذا فنقول: الحقوق التي تستوفى من الناس وتؤخذ منهم، إما أن يجوز إدخال المساهلة والمسامحة فيها، وإما أن لا يجوز. أما القسم الأول فهو المراد بقوله: "خذ العفو"، ويدخل فيه ترك التشدد في كل ما يتعلق بالحقوق المالية، ويدخل فيه أيضاً التخلق مع الناس بالخلق الطيّب، وترك الغلظة والفظاظة. . أما القسم الثاني، وهو الذي لا يجوز دخول المساهلة والمسامحة فيه، فالحكم فيه أن يأمر بالعرف. . وللمفسرين طريق آخر في تفسير هذه الآية فقالوا: "خذ العفو"، أي : ما عفا لك من أموالهم، أي ما أتوك به عفواً فخذه، ولا تسأل عما وراء ذلك. . ثم قال: اعلم أن تخصيص قوله: "خذ العفو" بما ذكر، تقييد للمطلق من غير دليل" (10) .

ونستخلص من كلام الرازي رحمه الله تعالى، أن "العفو" مقدار من الإمكانيًّات، وكمية منها، وأنه بيان لما كلف الله عباده إنفاقه في سبيل الله من إمكانياتهم، بعد أن تساءلوا: أكل المال يجب عليهم إنفاقه أم بعضه؟ وأن "العفو" الوارد في آية سورة البقرة: ((ويسألونك ماذا يُنفقون قل العفو ))، هو الخاص بهذا التكليف، أما "العفو" الوارد في آية سورة الأعراف: "خذ العفو"، فيشمل المال، وغير المال كالأخلاق.

ولقد دار المفسرون حول هذا المعنى في تفسيرهم للعفو، فقال القرطبي: العفو ما سهل، وتيسر، وفضل، ولم يشق على القلب إخراجه. فالمعنى أنفقوا ما فضل عن حوائجكم، ولم تؤذوا فيه أنفسكم، فتكونوا عالة. هذا أول ما قيل في تفسير الآية، وهو قول الحسن، وقتادة، وعطاء، والسدي، والقرظي محمد بن كعب، وابن أبي ليلى وغيرهم، قالوا: العفو: ما فضل عن العيال، ونحوه، عن ابن عباس (11) .

وقال الشوكاني: والعفو ما سهل، وتيسر، ولم يشق على القلب، والمعنى: أنفقوا ما فضل عن حوائجكم، ولم تجهدوا فيه أنفسكم، وقيل: هو ما فضل عن نفقة العيال (12) .

وقال الطاهر بن عاشور: "العفو مصدر عفا يعفو، إذا زاد ونما، وهو هنا ما زاد على حاجة المرء من المال، أي ما فضل بعد نفقته، ونفقة عياله بمعتاد أمثاله (13) .

وجاء في تفسير "المنار": وما ورد يدل على أن المراد: أي جزء من أموالهم ينفقون، وأي جزء منها يمسكون، ليكونوا ممتثلين لقوله تعالى: ((وأنفقوا في سبيل الله )) [البقرة:195]، ومتحققين بقوله تعالى: ((وممَّا رزقناهم ينفقون )) [البقرة:3]، وما في معنى ذلك من الآيات التي تنطق بأن الإنفاق في سبيل الله، من آيات الإيمان وشعبه اللازمة له على الإطلاق، الذي يشعر أن على المؤمن أن ينفق كل ما يملك في سبيل الله، وقد اقتضت الحكمة بهذا الإطلاق في أول الإسلام. . . . وبعد استقرار الإسلام، توجهت النفوس إلى تقييد تلك الإطلاقات في الإنفاق فسألوا: ماذا ينفقون؟ فأجيبوا بأن ينفقوا "العفو"، وهو الفضل والزيادة عن الحاجة. وعليه الأكثر، وقال بعضهم؛ إن العفو نقيض الجهد، أي: ينفقوا ما سهل عليهم، وتيسر لهم، مما يكون فاضلاً عن حاجتهم وحاجة من يعولون (14) .

وقال ابن عطية: العفو هو ما ينفقه المرء دون أن يجهد نفسه وماله، ونحو هذا هي عبارة المفسرين، وهو مأخوذ من عفا الشيء إذا كثر، فالمعنى أنفقوا ما فضل عن حوائجكم، ولم تؤذوا فيه أنفسكم، فتكونوا عالة (15) .

وقال صاحب الظلال: العفو الفضل والزيادة، فكل ما زاد على النفقة الشخصية - في غير سرف ولا مخيلة - فهو محل للإنفاق (16) .

وهكذا نرى أن المفسرين - قديمهم وحديثهم - يتفقون في الجملة على أن المقصود من "العفو" الوارد في قوله تعالى: "يسألونك ماذا ينفقون قل: العفو "، هو الفضل والزيادة عن الحاجات، وأنه كله محل للإنفاق.

وإذا انتقلنا من القرآن الكريم إلى السنة المطهرة، وجدنا لفظ "الفضل"، الذي فسر به "العفو" الوارد في القرآن الكريم، قد استخدم في بيان ما ينبغي على المسلم، أن يعود به على غيره، من الإمكانيات التي لديه، وذلك في الكثير من الأحاديث الصحيحة، والتي منها قول النبي صلوات الله وسلامه عليه: "يا ابن آدم إنك إن تبذل الفضل خير لك، وإن تمسكه شر لك، ولا تلام على كفاف، وابدأ بمن تعول، واليد العليا خير من اليد السفلى " (17) . ومنها ما رواه أبو سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - قال: بينما نحن في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل على راحلة له، قال: فجعل يصرف بصره يميناً وشمالاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من كان معه فضل ظهر، فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد، فليعد به على من لا زاد له". فذكر من أصناف المال ما ذكر، حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل (18) .

فالفضل الوارد في الأحاديث السابقة، هو "العفو" الوارد في الكتاب الكريم، وهو محل للإنفاق، حتى ليقول الصحابي الجليل: "رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل "، وتكون السنة المشرفة قد فسرت "العفو" الوارد في القرآن الكريم. . فالعفو هو ما زاد عن الحاجة. . والفضل هو ما زاد عن الحاجة. . ولقد كان حريًّا بالمفسرين رحمهم الله تعالى، أن يستأنسوا بالسنة المشرفة في تحديد معنى "العفو"، فقد بينت أنه الفضل، عندما استخدمت هذا اللفظ في نفس الموضع الذي استخدم فيه "العفو" في القرآن الكريم. فهذا هو أصح الطرق، لكنهم اعتمدوا على الدلالة اللغوية للكلمة، وعلى ما ورد عن بعض الصحابة وبعض التابعين في تفسير معنى "العفو"، ونقل ذلك بعضهم عن بعض، دون إشارة إلى الأحاديث التي وردت في نفس المجال، واستخدمت لفظ "الفضل".

ولعل وضوح الدلالة لكلمة "العفو"، عندما تكون إجابة للسؤال عن كمية ومقدار ما ينبغي أن يقوم الفرد بإنفاقه، لم تجعل المفسرين في حاجة إلى هذا الاستئناس، وإن كان هذا التبرير ليس كافياً، ذلك أن السنة هي خير ما يفسِّر القرآن، بعد القرآن. وهي قد فسرت "العفو"بالفضل، فكان ينبغي أن يؤخذ مفهوم "العفو" من السنة أولاً، ثم من أقوال الصحابة والتابعين ثانياً، وهم في الحقيقة إنما استقوا تفسيراتهم من السنة، وإن لم يصرحوا بالنسبة إليها.

وبهذا يتضح لنا مفهوم ((العفو)) في الفكر الإسلامي. وإذا كان حديثنا قد ركز على "العفو" من المال، فعند التحقيق نجد "العفو" غير مقصور عليه، فالآية لم تقيد "العفو" بالفائض من المال، وإن كان المفسّرون قد وقفوا "بالعفو" عند الفائض منه، وحتى إن قلنا: إن آية "العفو" من سورة البقرة، قد جاءت في إنفاق المال - ونحن لا نرى ذلك - فإن السنة المطهرة قد وردت بالتكليف بإنفاق "العفو" من الجهد والإمكانيات البشرية، والتي سنتحدث عنها حديثاً مستقلاً، بمشيئة الله تعالى فيما بعد.

ولو لم تكن السنة قد جاءت بتقرير هذا النوع من "العفو" - كما سنعرف - وسلمنا بأن الآية من سورة البقرة، قد وردت في "العفو" من المال، لكان "العفو" من الجهد البشري مقرراً في الإسلام، قياساً على "العفو" في المال، إذ أن علة تقرير إنفاق "العفو" من المال هي وجوده فائضاً عن حاجة الشخص، فإذا وجد فائض من الجهد البشري لدى شخص، فإن حكم الفائض من المال ينسحب عليه، لكن السنة - بحمد الله تعالى - قد أغنت عن القياس طريقاً لإثبات التكليف بإنفاق "العفو" من الجهد البشري. كل هذا بافتراض أن الآية خاصة بـ "العفو" المالي، مع أنني لا أرى ذلك، وإنما أراها مطلقة تنطبق على العفو المالي، كما تنطبق على العفو من الجهد البشري.

وبناء على هذا النقاش، فإن التكليف بإنفاق "العفو" وارد على كل من المال والجهد البشري، بل إنني أرى أن دور "العفو" من الجهد البشري في بناء المجتمع، وتمويل تنميته، أكبر من دور "العفو" في المال، وبخاصة في المجتمعات التي تمتلك قرداً كبيراً من العمل، ولا تملك من المال إلا القليل، وأكثر مناطق العالم الإسلامي اليوم هي من هذا الصنف، الذي به عرض كبير من العمل، بينما يعاني من عجز موارده المالية. إن تمويل التنمية في مثل هذه البلاد، يمكن تحقيقه بصورة أيسر إذا هي ركزت على "العفو" من الجهد البشري - الذي يملكه معظم الناس في المجتمع - ثم عضدته بـ "لعفو" من المال (19) . وسنرى في المطلب التالي، أن مفهوم إنفاق العفو، يشمل تقديمه بمقابل مادي، إلى جانب تقديمه بدون هذا المقابل، وأن الهدف هو جعل "العفو" أيا كان مصدره، مُنفقًا في تحقيق المصالح.

العفو والفائض الاقتصادي:

إذا كنا قد تبينا أن "العفو" هو "الفضل"، فهل يفترق "العفو" عن الفائض الاقتصادي، كما تتحدث عنه الكتابات الإنمائية المعاصرة؟

لا شك أن الفائض الاقتصادي - كما تعرفه الكتابات الإنمائية المعاصرة - وبصرف النظر عن تقسيمه إلى فائض محتمل، أو مخطط، أو فعلي، إنما يعني ما يتبقى من الدخل، بعد سد الحاجات، وهو بهذا المعنى الإجمالي يتفق من حيث تكوينه المادي، مع "العفو" من المال. وتبقى فكرة "العفو" ذات شمول لا يوجد في مفهوم الفائض الاقتصادي، لأنها تشمل إلى جوار الفائض الاقتصادي، أي "الفائض من الدخل عن الحاجات"، تشمل الفائض من الجهد البشري، والذي قلنا - من قبل - : إننا نراه أكثر أهمية من الفائض في المال، لدى معظم مجتمعاتنا الإسلامية، وغيرها من مجتمعات العالم، التي تسعى إلى تحقيق التقدم والتغلب على مسببات التخلف. . واختلاف مفهوم "العفو" عن مفهوم الفائض الاقتصادي بهذا القدر، يجعل إدارة العفو وتوجيهه، تختلف عن إدارة وتوجيه الفائض الاقتصادي، ومن ثم فإن النظريات الاقتصادية عن توجيه الفائض الاقتصادي، ذات فائدة محدودة لنا عند وضع السياسات الخاصة باستخدام "العفو" في تمويل التنمية وتحقيق التقدم.

محـــددات العفــو:

وبعد وضوح مفهوم العفو، أصبح واضحاً أن كميته تختلف من شخص إلى شخص، سواء في ذلك العفو من المال، أم العفو من الجهد البشري، وذلك تبعاً لحجم إمكانيات الشخص، وحجم احتياجاته، فهناك من تفوق احتياجاته إمكانياته، وهناك من لا تتجاوز إمكانياته احتياجاته، وكلاهما لا يملك شيئاً من "العفو"، وهناك من تزيد إمكانياته عن احتياجاته، ومن ثم يوجد لديه قدر من "العفو"، يكبر، أو يصغر، تبعاً لحجم المحددين المذكورين: الإمكانيات والاحتياجات. . فالعفو من المال، يتحدد بحجم الدخل من ناحية، وبحجم تكاليف الحياة من ناحية ثانية، والعفو من الجهد البشري، يتحدد بحجم القدرة البشرية من ناحية، وحجم المستنفد منها في الوفاء باحتياجات مالكها من ناحية ثانية. والعفو في الحالين، قد جعله الله محلاً للإنفاق بمفهومه الذي سنوضحه في المطلب التالي بمشيئة الله تعالى.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
the storm
مدير المنتدى
مدير المنتدى
the storm


مزاجي : https://i.servimg.com/u/f60/14/70/54/10/ang210.jpg
الجنس : ذكر
علم دولتي : https://i.servimg.com/u/f60/14/70/54/10/morocc10.jpg
عدد المساهمات : 147
تاريخ التسجيل : 01/01/2010
الموقع : فِي مَكَان مَا

العفو في الإسلام ( ملف كامل وغني ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: العفو في الإسلام ( ملف كامل وغني )   العفو في الإسلام ( ملف كامل وغني ) Emptyالجمعة أبريل 27, 2012 11:29 am

حددنا في المطلب السابق مفهوم "العفو" . . و "العفو" كما يقول الطاهر بن عاشور: "قد جعله الله تعالى كلّه محلا للإنفاق، ترغيباً في الإنفاق " (20) .

ومهمة هذا المطلب - بتوفيق الله تعالى - هي تحديد مفهوم الإنفاق الوارد على هذا "العفو"، فما الذي يُقصد به في الفكر الإسلامي؟ أيقصد به التخلي عن ملكية المال بإنفاقه على غيره، وتمليكه له؟ أم يتحقق إنفاق العفو في سبيل الله باستخدام المال في تحقيق مصالح المسلمين، دون أن يتطلب ذلك التخلي عن ملكيته؟.

لا شك في أن إنفاق "العفو" على الغير بتمليكه له، إنفاق للعفو في سبيل الله، ما دام يقصد بذلك وجه الله تعالى، ولا يُختلف على ذلك، بل إن جوهر التمويل بالعفو، إنما يقوم على هذه الصورة من صور الإنفاق، بيد أننا نعلم أن التكليف بإنفاق "العفو"، جاء مرناً إلى حد كبير، وجاء مطلقاً بدون قيود، فلم يكن تكليفاً بنسبة محددة ، كما هو الحال في التكليف بالزكاة، وإنما جعل الله تعالى العفو كلّه محلاً للإنفاق (21) . ((ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو )) [البقرة:219]، أي قل: أنفقوا العفو. .

ومن هنا فإن إنفاق العفو، يتحقق بأكثر من صورة، وقصره على صورة دون أخرى تقييد للمطلق بغير دليل، وأول الصور التي يتحقق بها إنفاق "العفو"، ما يتمثل في تقديم "العفو"، والتخلي عن ملكيته، بتمليكه لمن أنفق عليه (22) ، دون أن يقتصر عليها، بل إطلاق الأمر، ومرونة التكليف، تتسع لغيرها من الصور.

ومن هنا فإن إنفاق "العفو" في تحقيق مصالح المسلمين، دون التخلي عن ملكيته، يمثل صورة من صور إنفاق "العفو"، قد تكون أقل تضحية بدرجة كبيرة، لكنها لا تخرج عن الإطار العام لإنفاق "العفو"، الذي يتمثل في الاستجابة لأمر الله تعالى الوارد في قوله: "قل العفو"، أي أنفقوا العفو. وصور إنفاق "العفو" المختلفة، تمثل ميداناً للتنافس بين من لديهم "العفو"، وكلما طابت نفس المرء، وتفاعلت مع الهدى الذي أتاها من ربها، كلما تمكنت من اقتحام العقبة، واختيار صورة من صور إنفاق العفو في سبيل الله، تكون أبلغ في الدلالة على الاستجابة لأمر الله تعالى.

ومن هنا يمكننا القول: إن استخدام "العفو" في تحقيق مصالح المسلمين، مع الاحتفاظ بملكيته، يمثل الحد الأدنى لإنفاق "العفو" في سبيل الله تعالى. فبناء المشروعات الاستثمارية التي تحقق مصالح من يبنيها، وتحقق في نفس الوقت مصلحة المجتمع الإسلامي، يمثل صورة من صور إنفاق "العفو" في سبيل الله تعالى. . وعدم إنفاق "العفو" في هذه الصورة، يعني تعطيل المال والجهد، وإضاعتهما، وفاعل ذلك يقع تحت طائلة النهي عن إضاعة المال، وتبديد الجهد. وتتدرج صور إنفاق "العفو" صعوداً بعد هذه الصورة، التي تشتمل على تحقيق مصلحة صاحب العفو بتنمية ثروته، وزيادة دخله، وتحقق مصلحة المجتمع بإيجاد فرص للعمل، وسلع للاستهلاك، حيث تليها صورة كثيراً ما استخدمها المسلمون، ودعا إليها النبي - صلوات الله وسلامه عليه - وتتمثل في إنشاء مشروع، يزيد من حجم ثروة صاحب "العفو"، لكن دخله وعوائده تكون للمجتمع، مثل من يبني دوراً يملكها، ويزيد بها حجم ثروته، لكنه يخصصها لسكنى الفقراء، وأبناء السبيل مثلاً، وينتفع بها إذا احتاج إليها، وهي "المنيحة" التي دعا إليها النبي صلى الله عليه وسلم عندما دعا إلى تقديم الناقة، أو البقرة، أو العنزة، إلى من يستفيد بما تدره، ثم يستعيدها إذا احتاج إليها، أو عند انتهاء المدة المقدرة، "ألا رجل يمنح أهل بيت ناقة تغدو بعس وتروح بعس، إن أجرها لعظيم " (23) فهذه صورة أعلى من الصورة السابقة، وتعلوها الصورة الأسبق، والتي تتمثل - كما قلنا- : في التخلي عن ملكية "العفو"، لصالح المسلمين أفراداً أو جماعة.

ومعنى ما سبق: أن "العفو" قد ينفق ابتغاء الثواب الأخروي فقط، كما قد ينفق ابتغاء النفع في الدنيا مع الثواب في الآخرة أيضاً. . فالحالة الأولى عندما ينفق مالك "العفو" العفو مع التخلي عن ملكيته، والحالة الثانية عندما ينفق "العفو" على ما ينفعه وينفع المسلمين، كمشروع استثماري يدر عليه دخلاً، ويقدم للمسلمين نفعاً. ومفهوم إنفاق العفو من المرونة بحيث يشمل عمليتي الإنفاق.

فإذا أخذنا في الاعتبار أن "العفو" الذي ينفق على هذين النوعين، لا يظهر إلا بعد الإنفاق على حاجات الشخص ومن تلزمه نفقته، ظهر لنا أن الإنفاق في ظل الفكر الإسلامي، ينقسم إلى: إنفاق استهلاكي، وإنفاق استثماري، وإنفاق اجتماعي. . وأن الإنفاق الاستهلاكي، يسبق النوعين الآخرين، فهما من "العفو"، والعفو لا يظهر إلا بعد الإنفاق الاستهلاكي، وإذا ظهر "العفو"، فإن الإسلام يقضي بتوزيعه بين الإنفاق الاجتماعي والإنفاق الاستثماري. . ونعني بالإنفاق الاجتماعي: إسهام المسلم في الإنفاق على مصالح المجتمع. . ونعني بالإنفاق الاستثماري: الإنفاق على تكوين رأس المال، وزيادة قدرة الشخص على توليد الدخل. . وفي ترتيب هذين النوعين من الإنفاق، فإن الفكر الإسلامي يقرر البدء بالإنفاق الاجتماعي، في حدود حد أدنى هو الزكاة المفروضة، فهي نوع من الإنفاق الاجتماعي، يجب القيام به، قبل أي إنفاق استثماري، إذا بلغ "العفو" نصاباً أو تجاوزه، فإن كان "العفو" دون النصاب، لم يجب فيه إنفاق اجتماعي إجباري، وكان وضعه وضع الباقي من "العفو" بعد أداء الزكاة. وهذا القدر من العفو، يعطي الإسلام الفرد حرية المفاضلة، بين توجيه إلى الإنفاق الاجتماعي، وتوجيهه نحو الإنفاق الاستثماري، الذي يحقق مصالح المجتمع.

ولقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا التقسيم الثلاثي للإنفاق، فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "بينا رجل يمشي بفلاة من الأرض فسمع صوتاً في سحابة: إسق حديقة فلان. فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حرة، فإذا شرجة من تلك الشراج ، قد استوعبت ذلك الماء كله، فتتبع الماء، فإذا رجل قائم في حديقته، يحول الماء بمسحاته، فقال له: يا عبد الله ما اسمك؟ قال: فلان، للاسم الذي سمع في السحابة. فقال له: يا عبد الله لم تسألني عن اسمي؟ فقال: إني سمعت صوتاً في السحاب الذي هذا ماؤه: إسق حديقة فلان لا سمك، فماذا تصنع فيها؟ فقال: أما إذا قلت هذا، فإني أنظر إلى ما يخرج منها، فأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثاً، وأرد فيها ثلثه " (24) . . فهذا توجيه من النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطريقة المرضي عنها في الإنفاق، بتوزيعه بين الأنواع الثلاثة، ومعلوم أن الإسلام يوجب البدء بالإنفاق الاستهلاكي على النفس ومن تلزم نفقته، فإذا وجد "عفو" بعد ذلك، أخرجت الزكاة بشروطها، وما بقي فوقها، فإن المسلم يفاضل في إنفاقه بين الإنفاق الاجتماعي والإنفاق الاستثماري، وهي مفاضلة تحكمها الظروف التي يجد نفسه محاطاً بها، فقد يفضل نوعاً من الإنفاق الاجتماعي على نوع من الإنفاق الاستثماري، وقد يفعل العكس. . وقد يوزع "العفو" الذي لديه بين نوعي الإنفاق بنسبة معينة في سنة من السنين، وبنسبة أخرى في سنة أخرى، وقد يوجد في ظروف تجعله يخصص كل "العفو" للإنفاق الاجتماعي، وقد يوجد في ظروف أخرى تجعله يخصص كل "العفو" للإنفاق الاستثماري. وهكذا يتنافس النوعان على "العفو"، وأفضلية أحدهما على الآخر متوقفة على أثر هذا الإنفاق على تحقيق مصالح المسلمين.

غير أن مفهوم إنفاق "العفو"، لا يكتمل تحديده بغير الوقوف على نوع التكليف، الذي يقع على عاتق مالك "العفو"، فقد علمنا أن الأمر القرآني في قوله تعالى: "قل العفو " يفيد تكليف المسلم بإنفاق "العفو"، حتى إن الفخر الرازي يقول: "سألوا عن مقدار ما كُلفوا به: هل هو كل المال أو بعضه، فأعلمهم الله أن العفو مقبول " (25) . فما نوع هذا التكليف؟ أفرض عين هو، أم فرض كفاية؟ وبعبارة أخرى: هل إنفاق "العفو" فرض عين، بحيث يجب على كل من لديه قدر منه، أن ينفقه بصورة من الصور السابق الإشارة إليها؟ وإذا لم يقم بذلك كان آثماً، لأنه نكل عن القيام بما يجب عليه أن يقوم به شخصياً؟ أم أن إنفاق "العفو" فرض كفاية، فيكون المفروض على المسلمين أن يوجهوا قدرًا من "العفو" يكفي لتحقيق مصالح المسلمين، وإذا قام بذلك البعض سقط التكليف عن الباقين، وأصبح تكليفهم رهناً بظهور حاجة كفائية جديدة؟ ويعني القول بفرض الكفاية هنا: إنه يجب على كل فرد أن يترصد بالعفو من ماله أو جهده فرص التوظيف والتشغيل، وفرص سد حاجات الناس، فإن وجد حاجة، قام بسدها، وإن سبقه غيره إلى الوفاء بها، حق له أن يبقي "العفو" الذي لديه غير مستخدم، ولا يكون بذلك آثماً.

والذي يظهر لي: أن الافتراض الثاني هو الصحيح، إذ من المحتمل أن تفيض الإمكانيات عن الحاجات، ولو تسابق الناس إلى القيام بفروض الكفاية، فسيقوم بها السابقون إليها، ولا معنى لتكرار القيام بها، ما دام في جهد من سبق الكفاية والغناء، وعندها يكون من حق من نوى القيام بالتكليف وسعى إليه، أن يحتفظ بإمكانياته، وأن يترقب سنوح فرصة أخرى في المجال نفسه أو في غيره، كي يسبق غيره إلى القيام بفرض كفاية آخر، يحقق به مصلحة للمسلمين، وهو في الحالين قد قام بالتكليف، ذلك أن في قيام من سبق قيام من الجميع، فقد كان الكل حريصين على القيام بما قام به من سبق "وإنما الأعمال بالنيات " (26) .

ومعنى هذا: أن "العفو" عند كل فرد، متربص للفرص التي تسمح بولوج ميدان إنفاقي - اجتماعي، أو استثماري - بل ويتنافس مع "العفو" عند الآخرين، ليفوز بسد حاجة من حاجات المجتمع، لينال ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة. ويترتب على ذلك أن المجتمع يجد دائماً من أفراده من يقوم بسد حاجاته، فإذا وُجد جائع، تسابق الناس إلى إطعامه، وإذا وجد عار، تسابق الناس إلى كسوته، وإذا وجد مريض، تسابق أصحاب "العفو" إلى علاجه، وإذا وجدت حاجة إلى مشروع زراعي، أو صناعي، أو خدمي، تسابق أصحاب العفو إلى بنائه، وإذا وجدت حاجة إلى نوعية معينة من المهارات، تسابق أصحاب "العفو" إلى الإنفاق على توفيرها، وهكذا يضع كل صاحب "عفو" نصب عينيه أنه على ثغرة من الإسلام فلا يؤتين من قبله. ويصبح "العفو" مصدر تمويل التنمية الاقتصادية، كلما احتاج المجتمع إنفاقاً على ما يسهم في تحقيقها وجد من أصحاب العفو من يقوم به، متخلياً عن ملكيته، أو محتفظاً بها، تبعاً لطبيعة الإنفاق الذي وُجَّه "العفو" إليه.

وبهذا ينجلي أمام أعيننا مفهوم إنفاق "العفو" فهو تكليف يعُمّ كل صاحب "عفو" من المسلمين، وقد يتمثل في الإنفاق على المصالح الاجتماعية، كما يتمثل في الإنفاق الاستثماري الذي يقوم به الفرد، ويحقق مصالح الجماعة، وإن الظروف التي تحيط بصاحب "العفو" هي التي تحدد أي صور إنفاق "العفو" يفضل.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
the storm
مدير المنتدى
مدير المنتدى
the storm


مزاجي : https://i.servimg.com/u/f60/14/70/54/10/ang210.jpg
الجنس : ذكر
علم دولتي : https://i.servimg.com/u/f60/14/70/54/10/morocc10.jpg
عدد المساهمات : 147
تاريخ التسجيل : 01/01/2010
الموقع : فِي مَكَان مَا

العفو في الإسلام ( ملف كامل وغني ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: العفو في الإسلام ( ملف كامل وغني )   العفو في الإسلام ( ملف كامل وغني ) Emptyالجمعة أبريل 27, 2012 11:29 am


منزلة العفو العظيمة

منزلة العفو العظيمة عند الله (طريق إلى الجنة) يستطيعه الفقير والغني ,

فلا يذهب عنك هذا الفضل

يقول الإمام ابن القيم : يا ابن ادم .. إن بينك وبين الله خطايا وذنوب لا يعلمها إلا هو ,

وإنك تحب أن يغفرها الله لك, فإذا أحببت أن يغفرها لك فاغفر أنت لعباده ,

وأن أحببت أن يعفوها عنك فاعف أنت عن عباده ,

فإنما الجزاء من جنس العمل ... تعفو هنا يعفو هناك ,

تنتقم هنا ينتقم هناك تطالب بالحق هنا يطالب بالحق هناك .

و قد جاء الحث علىٰ العفو في آية عظيمة المبنىٰ، جليلة المعنىٰ، خلابة الفحوىٰ؛

فما بالك بأمر يتكفل الله تعالىٰ بأجره،

ويجعل ذلك الأجر مفتوحاً دون حد أو قيد ليترك للنفس تخيل عظمة هذا الأجر الذي تكفل به أكرم الأكرمين،

فيقول تعالىٰ : ( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ) الشورى: 40 ،

وهذا الأسلوب البديع الذي يفتح آفاقا من تخيل الجزاء لا يأتي إلا في الأمور الجليلة القدر،

البعيدة المنزلة كالعفو، وكشهر رمضان، حيث يقول تعالىٰ في الحديث القدسي:

«كل عمل ابن آدم يضاعف. الحسنة عشر أمثالها إلىٰ سبعمائة ضعف إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به».

متفق عليه

بل ويأتي القرآن برائعة أخرىٰ من روائع العفو، حيث يجعله الله تعالىٰ صدقة من المرء علىٰ نفسه وغيره،

وميدانا للإنفاق وإقراضا للواحد الأحد، فيشبه العفو وهو أمر معنوي بأمر محسوس وهو المال ليقرب أمره،

ويعظم شأنه، فيقول تعالىٰ :

( وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ) البقرة: 219..

يا الله.. إن هذا الإنفاق يستطيعه كل أحد، ويقدر علىٰ البذل منه كل إنسان،

الغني والفقير، والكبير والصغير، والضعيف والمسكين.

كل هؤلاء جعل الله لهم ميداناً كبيراً للصدقة والإحسان،

وهو العفو، هذا البحر الذي لا ينفد، والنهر الذي لا ينضب.

ثم تأتي الإشارة القرآنية والتذكرة الربانية مجلية أمراً جميلاً،

ومعنىٰ جليلاً، وهو أن نيل عفو القدير جل وعلا،

والفوز بمغفرة الرحيم طريقها العفو، فيقول تعالىٰ :

(وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبـُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) النور: 22.

كان أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ ينفق ويتصدق علىٰ قريب له،

فكان منه إساءة بأن كان ممن وقع في فتنة اتهام عائشة ـ رضي الله عنها ـ

فحلف أبو بكر أن لا ينفق عليه أبداً، فأنزل الله تعالىٰ هذه الآية،

فلما سمع الصديق قوله تعالىٰ : (أ َلَا تُحِبـُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ )

قال: بلىٰ، والله إنا نحب يا ربنا أن تغفر لنا، فدعا قريبة وأعاد صدقته عليه قائلا:

والله لا أنزعها منه أبدا.. وهكذا كان امتثال السلف السريع لأوامر الأحد.

بل جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

( أذا
وقف العباد للحساب جاء قوم واضعي سيوفهم على رقابهم تقطر دما فازدحموا على
باب الجنة فقيل من هؤلاء قيل الشهداء كانوا أحياء مرزوقين ثم نادى مناد
ليقم من أجره على الله فليدخل الجنة ثم نادى الثانية ليقم من أجره على الله
فليدخل الجنة قال ومن ذا الذي أجره على الله قال العافون عن الناس ثم نادى
الثالثة ليقم من أجره على الله فليدخل الجنة فقام كذا وكذا ألفا فدخلوها
بغير حساب)

صحيح الترغيب والترهيب للألباني .

ومثل هذه الآية في التلميح بالعفو والوعد بالتجاوز عمن عفا وتجاوز قوله تعالىٰ :

( إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا )

( النساء: 149.

ويبين تعالىٰ أن العافين عن الناس والكاظمين الغيظ هم أولوا التقوىٰ الذين وعدوا بجنة عرضها السماوات والأرضقال تعالى :

(وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِين (133)

الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ
الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) )

آل عمران: 133 ـ 134.

وقد جاء في الحديث الذي رواه مسلم

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ،

أَنَّهُ قَالَ: مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ ، وَمَا زَادَ اللهُ رَجُلاً بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزًّا ،

وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ ِللهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللهُ )

"مسلم" فالعزة لا تأتي إلا من الأخلاق العظيمة, والعرب تقول:

لا سؤدد مع الانتقام .

وفي
سيرة النبي صلى الله عليه وسلم نماذج رائعة للعفو والتسامح فقد ضرب النبي
صلى الله عليه وسلم النموذج والمثل الأعلى في هذا الخلق الرفيع ,

ومن الأمثلة على ذلك : عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي :

هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟

قال : لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي
على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم
على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد
أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال إن الله قد سمع كلام قومك لك
وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك
الجبال فسلم علي ثم قال يا محمد فقال ذلك فما شئت إن شئت أطبق عليهم
الأخشبين قلت بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك
به شيئا . ‌

(صحيح الجامع رقم: 5141 )

عفا الإمام أحمد بن حنبل عن أحد الجنود الذين عذبوه أيام الفتنة وكان أهل الحي ينتظرون من الإمام أحمد إن يأمرهم بأن يفتكوا به ...

فلما سئل لماذا عفوت عنه قال : ماذا ينفعك أن يُعذَّب أخوك بسببك ثم ان الناس ياتون يوم القيامة جاثين أمام جهنم وقرأ ( وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً ) فينادي منادي من الملائكة

من كان أجره على الله فليقم وليدخل الجنة ...

فلا يقوم إلا من عفا عن أخيه .. .ثم قرأ

(فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ )

و روي عن ميمون بن مهران أن جاريته جاءت ذات يوم بصحفة فيها مرقة حارة،

وعنده أضياف فعثرت فصبت المرقة عليه،

فأراد ميمون أن يضربها، فقالت الجارية: يا مولاي، استعمل قوله تعالى:

( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ) قال لها: قد فعلت. فقالت:

اعمل بما بعده ( وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ) .

فقال: قد عفوت عنك. فقالت الجارية: ( وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) .

قال ميمون: قد أحسنت إليك، فأنت حرة لوجه الله تعالى. تفسير القرطبي 4/207

هذا عمل خفي بينك وبين ربك تعمله مخلصاً لا يعرفه أحد من الناس فقابل ربك يوم القيامة بعفو ..

حتى يعفو ويتجاوز عنك فرب العالمين أولى بالعفو منك ولن تكون أكثر عفوًا منه و لا أكرم .

ومما يدل أن جزاء الإحسان الإحسان أيضًا و أن الجزاء من جنس العمل

ما جاء عن حذيفة رضي الله عنه قال أتى الله بعبد من عباده آتاه الله مالا فقال له ماذا عملت في الدنيا

قال ولا يكتمون الله حديثا قال يا رب آتيتني مالا فكنت أبايع الناس وكان من خلقي الجواز

فكنت أيسر على الموسر وأنظر المعسر فقال الله تعالى أنا أحق بذلك منك تجاوزوا

عن عبدي فقال عقبة بن عامر وأبو مسعود الأنصاري

هكذا سمعناه من في رسول الله صلى الله عليه وسلم .

( رواه مسلم )

درجات العفو

-الحلم : كظم الغيظ

-العفو: ترك المؤاخذة بالذنب مع المعاقبة

-الصفح: ازالة آثار الذنب من النفس مع بقاء اللوم

-الإحسان: وهذه درجة الانبياء والصديقين ومن اقتدى بهم

تعلموا العفو , وجاهدوا أنفسكم به وعلموا أولادكم وأهليكم عليه ؛

فإن الجزاء عند الله عظيم , وكما قال ابن قيم الجوزية ؛

وأن أحببت أن يعفو الله عنك فاعف أنت عن عباده ,

فإنما الجزاء من جنس العمل ... تعفو هنا يعفو هناك , تنتقم هنا ينتقم هناك

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
العفو في الإسلام ( ملف كامل وغني )
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الرئيس "البوذى" يحث على اتباع تعاليم الإسلام

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
|~ مُنْتَدَيَات جَنَّات~| :: جَنَّات دِينُنَا الحَنِيف :: نَفَحَات إِيمَانِية-
انتقل الى: