في الوقت الذي استأثر التحول الديمقراطي بالمغرب باهتمام كبير في الخارج، وترك النموذج المغربي في التعامل مع الحراك الشعبي الديمقراطي، وفي تدبير اللحظة الدستورية والانتخابية، أثرا متميزا على سمعة البلاد في الخارج، لا تزال هناك بعض النكث السوداء التي تسيء إلى صورة البلاد، وتشوه سمعة المرأة المغربية.
صورة دعارة المغربيات في الداخل و الخارج أصبحت مزعجة خاصة بفعل تنامي التناول الإعلامي لها، وبفعل وقائع صادمة تروى تفاصيلها في تقارير مؤسسات بحثية متخصصة، وتشهد عليها متابعات قضائية وصلت حد التواتر خاصة في المدن السياحية، ومنها القضية الأخيرة التي تفجرت في مدينة مراكش ويتابع فيها ثلاثة خليجيين.
لقد سبق أن حذرت تقارير صحفية كثيرة من دعارة المغربيات في دول الخليج وتركيا ولبنان، بل وحتى في بعض الدول الإفريقية، وروت شهادات لضحايا تم استغلالهن عن الطرق التي تعتمدها شبكات الدعارة والتجارة في البشر لاقتناص الفتيات المغربيات بعقود وهمية تستعمل تارة صفة الفن، وتارة أخرى مهنة الحلاقة، وأعاد تقرير المجلة « الفورين بوليسي» الأخير عن استغلال الفتيات المغربيات في الملاهي الليلية للدعارة في بيروت نفس مضمون هذه الشهادات، ونشرت صحف أخرى ملفات عن ذات الموضوع، تناولت فيه استغلال فتيات قاصرات في الدعارة، ومنها الملف الأخير الذي نشر حول الدعارة «السياحية» في مراكش، وكيف تحولت بعض المركبات السكنية إلى أوكار لممارسة الدعارة «السياحية» والأذى البليغ الذي لحق الساكنة مغاربة وأجانب حتى بادروا إلى تقديم شكاوى في الموضوع.
إن التحول السياسي الذي عرفه المغرب، والذي لقي تجاوبا كبيرا على المستوى الدولي، يتطلب تحولا في السياسات والمقاربات لمواجهة كل الظواهر التي تؤثر على سمعة البلاد وتسيء إلى صورة المرأة المغربية سواء في الداخل أو الخارج لاسيما وأن المغرب قبل هذا التحول صدرت في حقه تقارير دولية اعتبرته معبرا ومصدرا ومقصدا للتجارة في البشر، بل واعتبرت حكومته من ضمن الحكومات التي لا تلتزم بشكل كامل بالمعايير الدنيا المنصوص عليها في قانون حماية ضحايا الاتجار بالبشر.
المقاربة الجديدة، لا تختص فقط بالحكومة الحالية التي يتوجب عليها أن تواجه بصرامة وحزم مافيات الدعارة الدولية، وأن تطبق القانون في حق الجميع، وتعتمد السياسات الاجتماعية التي تحاصر بعض أسباب الظاهرة، ولكنها تتطلب انخراطا واسعا لمكونات المجتمع المدني، وبشكل خاص الجمعيات النسائية بمختلف تشكيلاتها الإيديولوجية، في إطار مقاربة تشاركية، تبتدئ أولا بالتشخيص العلمي للظاهرة في كل محدداتها، وتطوير استراتيجية مدنية لمحاصرتها، وتفعيل اليقظة الشعبية كأحد أدوات التنسيق بين الفعل المدني والعمل الحكومي في مواجهة مافيا الاتجار بالفتيات المغربيات.
إن حجم التحدي الذي تمثله هذه الظاهرة، تستدعي تعبئة كل الإمكانات والمقاربات المتاحة للتصدي لها، من غير إقصاء لأي دور يمكن أن تقوم به شريحة من الشرائح المجتمعية، وفي هذا الإطار، فإن المقاربة التربوية والدينية والتثقيفية، ينبغي أن تأخذ موقعها الطبيعي، وأن تنساب بشكل مقدر عبر وسائل الإعلام العمومي كجزء أساسي من الإستراتيجية الوطنية التي يتم الرهان عليها لمحاربة ظاهرة الدعارة وتحسين صورة المغرب القيمية في الخارج.
المصدر جريدة التجديد.