قصة من حياة الصالحات المعاصرات
عبد السلام العييري
مواقف مؤثرة من حياة الصالحات
الحمد لله الذي فَلَقَ النواة والحَبْ ، وخلق الفاكهة والأب ، وأبغَضَ وكرِه وأحب ، وأَمْرضَ وداوى وطَبْ ، أنشأ الإنسان والحيوان بقدرته فَدَبْ ، فالعجب كل العجب لمربوب يجحد الرب ، أشهد أن لا إله إلا الله ويفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد ، سبحانه وسِعت آثار رحمته أهل الأراضي وسكان السماوات .
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أشرفُ الخلائقِ خُــلْقــاً وخَــلْقــاً ، ورضي الله عن أصحابه حازوا كل الفضائل سبقى ، فما حَمَلَتْ من ناقةٍ فوق ظهرها أبر و أوفى ذمةً من محمدٍ ــ عليه السلام ــ . أمــــــــا بعد :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أحمدُ الله تعالى على أَنْ وفَّقَنِي لِجَمْعِ سِِيرِ الصالحات ، فلقد ظَنَنْتُ أَنَّ الصالحات في زَمَانِنَا أَقَلُ مِنَ الأَزْمَاِن الغابرة السابقة ، لكن لما رأيتُ وبحثتُ وجمعتُ بعض الأخبار وجدتُ العجب . فإليكم هذه الأخبار :
القصة الأولى :
عَمَّةُ أحد طلاب العلم دائماً تصلي ولا تُرى إلا على مُصلاها ، ولما ماتت رأتها قريبةٌ لها على صورةٍ حسنة ، فسألتها عن حالها ، فقالت : أنا في الفردوس الأعلى ، قالت قريبتها بماذا ؟ قالت : عليك بكثرة السجود .
القصة الثانية :
أخبرني أحد طلاب العلم أنه اتصلت به امرأة وهي تبكي وظنَّ أنها قد أذنبت بل قالت له : يا شيخ إني قد عصيت الله عز وجل ، معصيةً عظيمة ، فلما استفسر منها وسألها ، فإذا هي قد تركت صلاة الوتر البارحة ، فقالت : هل من كفارة أُكَفِّرُ بها عن ذنوبي .
القصة الثالثة :
تقول إحدى مديرات دُور تحفيظ القرآن : لمّا افتتحنا الدار كان عندنا دَرَجٌ في الشارع ولم نجعل ممراً للعربات ، لا لكبيرات السِّن ولا للمعوقات ، قالت : وفي اليوم الأول للتسجيل فوجئنا بامرأة تجاوزت الستين من عمرها وهي تحبوا على الدَرَج ، تريد الدخول للدار فالتحقت بهم لكن صَعُبَ عليها الاستمرار بعد مُدة ، ولم تستطع أن تواصل الحفظ ، لِكِبَرِ سنها وقعدت في بيتها .
القصة الرابعة :
وهذه أخرى من الصالحات ، حَفِظت القرآن وهي فوق الستين ، وأخبارها عجيبة ، لكن مُلخص الخبر وهذا الموقف أو المواقف لها ، أنها تجاوزت الستين ولمّا ختمت القرآن في رمضان الماضي ، استأجرت امرأة لا تعرفها ولا تعرفها النساء اللاتي حولها ، حتى تُسَّمِع لها القرآن كاملاً ، ولا يعلم بخبرها إلا قلة من النساء ، وأَخَذَت العهد على بعض النساء ألاّ يُخبرن أحداً .
القصة الخامسة :
فتاةٌ أخرى لها همةٌ عالية عظيمة ، شابةٌ مُعاقة ، أُصيبت في حادث بشللٍ رباعي جعلها طريحة الفراش أكثر من خمس عشرةَ سنة ، امتلأ جسمها قروحاً وتآكل اللحم بسبب ملازمتها للفراش ، ولا تُخرج الأذى من جسدها إلا بمساعدة أمها ، لكن عقلها متدفق وقلبها حي مؤمن ، فَفَكرت أن تخدم الإسلام ببعض الأمور ، فوجدت بعض الأساليب والطرق التي تنفع بها دين الله عز وجل ، أو تنفع بها نفسها وتنشر دين الله عز وجل ، فجَعلت ما يلي :
1/ فتحت بيتها لمن شاء ، من النساء أن يزورها ، أو حتى من الناس من محارمها أن يزوروها ليعتبروا بحالها ، فتأتيها النساء ودارِسات التحفيظ ، ثم تُلقي عليهن محاضرةً بصوتها المؤثر .
2/ جعلت بيتها مستودعاً للمعونات العينية والمادية للأسر المحتاجة ، وتقول زوجة أخيها : إنَّ ساحة البيت الكبيرة لا أستطيع أن أسير فيها من كثرة المعونات للأسر الضعيفة .
3/ تُجهز المسابقات على الكتب والأشرطة وتوزعها على الأسر المحتاجة مع المواد الغذائية ، ويقول أحد محارمها : إني لا أستطيع أن أُحَضِّر المسابقات إلا من طريقها .
4/ لا تدع مُنكراً من المنكرات ، من منكرات النساء إلا وتتصل على صاحبة المُنكر وتُنكر عليها .
5/ تُشارك في تزويج الشباب والشابات عن طريق الهاتف .
6/ تُساهم في إصلاح ذاتِ البين وفي حلول المشاكل الزوجية . إنها والله امرأةٌ عجيبة .
القصة السادسة :
وهذه أُخرى لا يُطيعها زوجها أن تذهب للمحاضرات ، فبدأت تتصل على النساء اللاتي تعرفهن من الجيران ومن الأقارب ومن الزميلات ، فتحُثُهُن على حضور المحاضرات وهي قليلة الحضور للمحاضرات بسبب زوجها .
القصة السابعة :
امرأة في مدينة الرياض ، لها في كل باب من أبواب الخير سهم ، فهي تساعد الراغبين في الزواج ، وتعطي أُسرة السجين ، وتقوم على الأرامل والمساكين ، ومن أعمالها أنها تسببت في بناء سبع مساجد في المملكة ، وكَفَلَتْ (500 ) أسرة من الأسر المحتاجة ، وقد كَفِلَتْ (30) يتيماً أيضاً ، وأَسَلم بسببها في دولة تشاد بأفريقيا قريباً من مائتي ألف رجل وامرأة ، لله دَرُّها .
القصة الثامنة :
وهذه امرأة أخرى ، فتحت دارها للعلم والدعوة والتحفيظ ، فلمّا كَثُرتَ النساء والأطفال عندها ، فتحت على حسابها وعلى حسب ما تجمعه من النساء فتحت دارً في مكان آخر .
القصة التاسعة :
أُقيمت مرة محاضرة في مدينة الرياض ، ووصل حضور النساء إلى : عشرة آلاف امرأة وقبل المغرب بساعة وصل العدد كما يقول أحد أهل العلم عن إحدى قريباته ، وصل العدد ما قبل المغرب بساعة إلى : سبعة آلاف امرأة .
القصة العاشرة :
بعض المريضات في المستشفى يقلن : من أحسن الهدايا لنا أثناء الزيارة وأيام العيدين ، أن يأتي أحد الزوار لنا ، بمصحف أو شريط للقرآن أو أن يأتي بالكتب النافعة .
القصة الحادية عشر :
وهذه أم عبد الرحمن ، تأتي مع زوجها من أقصى جنوب الرياض إلى أقصى شرقه ، يتركها زوجها في المستشفى للعلاج ويذهب هو لدوامه ، وتمر عليها فترات تحتاج إلى المستشفى كل يوم تقريباً ، فاستغلَّت هذه المرأة الداعية المريضة جلوسها الطويل في المستشفى وانتظارها لدورها في العلاج ، استغلَّت الوقت بالدعوة إلى الله عز وجل ، والتذكير به سبحانه وتعالى ، وزيارة المريضات ، وتقوم بتعليمهن الصفة الصحيحة للطهارة والصلاة وأحكام طهارة المريض ، ولا تترك فرصةً لدعوة ممرضة أو طبيبة إلا وتقوم بالدعوة، وهكذا تتنقل بين الأقسام وقد نفع الله عز وجل بها نفعاً عظيماً .
فاللهم اشفها وعافها ، فما أعظم الأجر ، تحمل في جسدها المرض ، وفي قلبها النور والإيمان والدعوة إلى الله عز وجل ، وتقوم بتنفيس الكُربات عن المحزونين والمرضى ، واللــــــه عز وجل الموعد .
القصة الثانية عشر :
امرأة أخرى مات زوجها وهي في الثلاثين من عمرها ، وعندها خمسة من الأبناء والبنات ، أظلمت الدنيا في عينها وبكت حتى خافت على بصرها ، وطوّقها الهم وعلاها الغم ، فأبناءها صغار وليس عندها أحد ، كانت لا تصرف مما ورثته من زوجها إلا القليل ، حتى لا تحتاج إلى أحد ، وذات مرة كانت في غرفتها في شدةِ يأس وانتظار لفرج الله عز وجل ، ففتحت إذاعة القرآن الكريم وسمعت شيخاً يقول : قال رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ " من لزِم الاستغفار جعل الله له من كل همِِّ فرجاً ، ومن كل ضيقٍ مخرجاً ، ورزقه من حيث لا يحتسب " . تقول هذه المرأة : فبدأتُ أُكثر من الاستغفار وآمر به أبنائي ، وما مرَّ بهم ستة أشهر حتى جاء تخطيط لمشروع على أملاكٍ لهم قديمة ، فعُوِّضت هذه المرأة
عن أملاكهم بملايين ، ووفَّق الله أحد أبناءها فصار الأول على أبناء منطقته ، وحفظ القرآن الكريم كاملاً ، وصار الولد محل عناية الناس واهتمامهم ورعايتهم لما حفظ القرآن ، وتقول هذه الأم : وملأ الله عز وجل بيتنا خيراً ، وصرنا في عيشةٍ هنيئة ، وأصلح الله كل ذريتها ، وأذهبَ الله عنها الهم والغم ، وصدق الله عز وجل إذ يقول : {ومن يتقِ الله يجعل له مخرجاً * ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إنَّ الله بَالِغُ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً}.
القصة الثالثة عشر :
وهذا رجلٌ صالح عابد أُصيبت زوجته بمرض السرطان ولها منه ثلاثة من الأبناء ، فضاقت عليهم الأرض بما رَحُبَتْ ، وأظلمت عليهما الأرض ، فأرشدهما أحد العلماء إلى : قيام الليل ، والدعاء في الأسحار مع كثرة الاستغفار ، والقراءة في ماء زمزم ، واستخدام العسل ، فاستمرا على هذه الحالة وقتاً طويلاً ، وفتح الله عز وجل على هذا الرجل و زوجته بالدعاء والتضرع والابتهال إليه جل وعلا ، وكانا يجلسان من بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس ، ومِنْ صلاة المغرب إلى صلاة العشاء ــ على الذكر والدعاء والاستغفار ، فكشف الله عز وجل ما بها وعافاها ، وأبدلها جِلداً حسناً وشعراً جميلاً ، قال الله سبحانه وتعالى : {أمَّن يُجيبُ المُضطرَّ إذا دعاه ويكشِفُ السوءَ ويجعلُكُم خُلفاءَ الأرض أإله مع الله قليلاً ما تَذَّكَرون} .
القصة الرابعة عشر :
وهذه امرأة صالحة ومتصدقة كريمة ، شَهِدَ لها بهذا الأمر المُقرَّبُون ، خمسون عاماً مرَّت عليها وهي بَكْمَاء لا تتكلم ، اعتاد زوجها هذا الوضع ، مؤمناً بقضاء الله وقدره ، وفي ليلة من الليالي استيقظت المرأة وبدأت تُصلي بصوتٍ مسموع ، فقام زوجها مُستغرباً فَرِحاً ، ثم سمعها تنطق بالشهادتين نُطقاً صحيحاً ، ثم تضرعت إلى الله عز وجل بالدعاء ، وكان زوجها ينتظرها تنتهي من صلاتها فَرِحاً بها لكنها تُوفيت بعد قيامها الليل ، هنيئاً لها ، فمن مات على شيء بُعِثَ عليه .
القصة الخامسة عشر :
ذكر أحد الدعاة عن امرأة في روسيا ، امرأةٌ غريبة في الدعوة إلى الله عز وجل ، والصبر على التعليم ، قد صنعت هذه المرأة ما لم يصنعه الرجال ، ظلَّت هذه المرأة خمس عشرة سنة تدعوا إلى الله عز وجل سِراً ، أيام الحكم الشيوعي ، وتنتقل من بيت إلى بيت وتُعلِّم النساء القرآن وتُخرِّج الداعيات ، ولم تغفل أيضاً عن أسرتها ولا عن أولادها ، فأولادها من كبار الدعاة في روسيا ، وأزواج بناتها الأربع كلهم من الدعاة أيضاً ، وأحد أزواج بناتها هو مُفتي البلدة التي تُقيم فيها هذه المرأة .
القصة السادسة عشر :
طالبة أمريكية متمسكة بالحجاب مُعتزةً بدينها ، أسلم بسببها (3) من الأساتذة في الجامعة ، وأربعة من الطلبة ، لمّا أسلم أحد الأساتذة بدأ يذكر قصته ويقول : قبل أربع سنوات ثارت عندنا زَوبَعَة كبيرة في الجامعة حيث التحقت بالجامعة طالبة مسلمة أمريكية ، وكانت متحجبة وكان أحد الأساتذة من معلميها متعصباً لدينه ، يُبغض الإسلام ، كان يكره كل من لا يُهاجم الإسلام ، فكيف بمن يعتنق الإسلام ؟ ، وكان يبحث عن أي فرصة لإستثارة هذه الطالبة الضعيفة ، لكنها قوية بإيمانها ، فكان ينال من الإسلام أمام الطلاب والطالبات ، وكانت تُقابل شدته بالهدوء والصبر والاحتساب ، فازداد غيضه وحَنَقُه ، فبحث عن طريقة أخرى مَاكِرة ، فبدأ يترصد لها في الدرجات في مادته ويُلقي عليها المهام الصعبة في البحوث ، ويُشدد عليها بالنتائج ، ولمّا لم تستطع التحمل وانتظرت كثيراً وتحملت تحمُّلاً عظيماً ، قَدَّمت شكوى لمدير الجامعة للنظر في وضعها ، فأجابت الجامعة طلبها وقررت أن يُعقد لقاء بين الطرفين ، مع حضور جمع من الأساتذة لسماع وجهة نظر الطالبة مع معلمها ، بحضور بعض الأساتذة والدكاترة والطلاب ، يقول هذا الكاتب الذي أسلم وهو أحد الأساتذة ، حضر أكثر أعضاء هيئة التدريس ، يقول هذا الدكتور : وكنا مُتحمسين لحضور هذه الجولة والمناظرة والحوار ، التي تُعتبر الأولى من نوعها في الجامعة ، فبدأت الطالبة تذكر أن الأستاذ يُبغض الإسلام ولأجل هذا فهو يظلمها ولا يعطيها حقوقها ثم ذكرت بعض الأمثلة ، فكان بعض الطلبة قد حضروا وشَهِدوا لها بالصدق ولِمُعلمها بالكذب ، وهم غير مسلمين ، فلم يجد الأستاذ الحاقد على الإسلام جواباً ، فبدأ يَسُبُّ الإسلام ويتهجم عليه فقامت هذه الطالبة تُدافع عن دينها وتُظهر محاسن الإسلام ، يقول هذا الدكتور : وكان لها أسلوبٌ عجيب لجذبنا ، حتى أننا كنا نُقاطعها ونسألها عن أمور تفصيلية في الإسلام فتُجيب بسرعة بلا تردد ، فلمّا رأى الأستاذ الحاقد ذلك منهم خرج من القاعة واستمرت هذه الطالبة مع بعض الأساتذه والطلاب ، وأعطتهم ورقتين كتبت عليهما عنوانًا / ماذا يعني لي الإسلام ؟
فذكرت هذه الطالبة الدوافع التي دعتها للإسلام ، ثم بيَّنت أهمية الحجاب وعَظَمَةْ الحياء والحِشْمَة للمرأة ، وأنه سبب الزَوبَعَه من هذا الأستاذ ، ولم تكتفي بهذا ، بل قالت : أنا مُستعدة أن أُطالب بحقي كله حتى لو تأخرتُ عن الدراسة ، يقول هذا الكاتب : لقد أُعجبنا بموقفها وثباتها ولم نتوقع أنَّ الطالبة بهذا الثبات والتحمل ، وتأثرنا بصمودها أمام الطلاب والمعلمين ، فصارت المُحجبة هي قضية الجامعة أيامها يقول فبدأ الحوار يدور في عقلي وفي قلبي ، حتى دخلتُ في الإسلام بعد عِدةِ أشهر ، ثم تبعني دكتورٌ ثانٍ ، وثالثٍ في نفس العام ، ثم أصبحنا جميعاً دُعاةً إلى الإسلام .
إنَّــها امــراةٌ قليلة المثيـــل في هذا الزمان . . .
القصة السابعة عشر :
حدثني أحد إخوانها بخبرها لقد ماتت رحمةُ الله عليها ، قبل مُدة ليست بالطويلة ، فهي مَدْرَسَةٌ في الأخلاق العالية ، يُحبها الصغير والكبير ، كما قال عنها أهلها وزوجها ، في المناسبات يجتمع عليها الصغار والكبار ، تتَّصل على القريب والبعيد وتسأل عن الأحوال ولا تترك الهدايا للأقارب ، هي امرأةٌ زاهدة ، ثيابها قليلة وَرَثَّة ، أُصيبت هذه المرأة بمرض السرطان ، نسأل الله عز وجل أن يجعلها في الفردوس الأعلى ، مِن صبرها وثباتها بقيت سنةً ونصف لم تُخبر أحداً إلا زوجها ، وأخذت عليه العهد والميثاق والأيمان المُغلظة ألاَّ يُخبر أحداً ، ومِن صبرها وثباتها ــ رحمةُ الله عليها ــ أنها لا تُظهر لأحدٍ شيئاً من التعب والمرض ، فلم يعلم بها حتى أولادها وابنتها الكبيرة التي تخرج معها إذا خَرَجَتْ ، إذا جاءها أحدُ محارمها أو أحدُ إخوانها أو ضيوفها مِن النساء ، فإنها تستعد وتلبس الملابس وتُظهر بأنها طبيعية ...
وكان أحدُ إخوانها أَحَسَّ بأنها مريضة وفيها شيء ، فقد انتفخ بطنُها وظَهَرت عليها علامات المرض ولمّا أَلَحُّوا عليها إلحاحاً عظيما ، أخبرتهم بشرط أن لا تذهب إلى المستشفى ، تُريد الاكتفاء بالقرآن والعسل وماء زمزم ، ولمّا أَلَحُّوا عليها وأخبروها بأن هذا الأمر والعلاج والدواء لا يُنافي التوكل ، وافَقَتْ وشَرَطَتْ أن تذهب إلى مكة المكرمة للعمرة قبل أن تذهب للمستشفى ، ثم ذَهبت في الصيف الماضي مع أهلها وبَقيتْ قُرابة الأسبوعين ، ولمّا رجعتْ من العمرة وذهبت إلى الطبيب ، شَرَطَتْ ألاَّ يدخل عليها أحدٌ سِوى الطبيب وزوجها ، وكانت مُتحجبة ومُغطيةً لوجهها ولابِسةً القُفَازَينْ ، ولم تكشف إلا موضع الألم المحدد في جزءٍ من البطن حتى لا يُرى شيئاً آخر منها ، فرأى هذا الطبيب وتَعَجب واستغرب من وضعها ومن صبرها ، فرأى أن الماء السام بسبب الورم في بطنها وصل إلى ثلاثةَ عشر لِتراً ، وكان من بُغضها للمستشفى تقول لأحد إخوانها وفَّقَهُ الله ، وهو الذي اهتم بها ويُراعيها في آخر وقتها تقول له : إنِّي أُبغضُ الشارع الذي فيه المستشفى ...
لأنها لا تُريد الذهاب إلى الرجال ولا الخروج من البيت ، تَحَسَنَتْ أحوالها في رمضان الماضي ، ثم عرض عليها أخوها الحج فلم تُوافق وحصل لها شيءٌ من التردد ، لأنها إذا قامت يحصل لها تعبٌ أو إعياء أو دوار ، ولا تستطيع أن تنهض واقِفَة واستبعدت الحج ، ولمّا أَصَرَّ عليها وافقت ، حجَّ بها أخوها فيقول : قد حججتُ كثيراً مع الشباب وجرَّبتُ عدة رحلات وسفرات مع الشباب لكن يقول : والله ما رأيت أسهل من هذه الحجة مع هذه المرأة المريضة ، والنبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ يقول : " إنَّما تُنصرون وتُرزقون بضعفائكم " ، يقول هذا الأخ : وقد يَسّرَ الله عز وجل لنا أشخاصاً لخدمتنا بدون سبب ، سواءً في الرَّمِي أو في الممرات أو في النزول من درج الجمرات ، ويقول أخوها : كان بعض عُمَّال النظافة حول الجمرات قد وضعوا حِبالاً لتنظيف ما حول الجمرات ، يقول لمّا قَدِمْنَا لرمي الجمرة لم نستطع أن نَقْرُب فنادانا أحد العَسَاكِرْ فقال : أُدْخُلُوا من تحت هذا الحبل ، بدون أي سبب ، وحصل لهم هذا الأمر في الدور الثاني في اليوم الثاني ...
ولمّا أرادوا النزول ناداهم أحد العَسَاكِر ، بدون أي سبب ، ولا يظهر على المرأة أي علامة من علامات التعب أو المرض ، يقول أخوها وكل المناسك قد يُسِّرَتْ لنا ، وكانت هذه المرأة تهتم بالدعوة ، فَقَلَّمَا تذهبُ إلى مجلسٍ إلاَّ وتُذكرُ بالله عز وجل ، أو تدعوا إلى الله تعالى ، أو تُعَلِّم أو تُخْرِجُ كتاباً من شنطتها وتقرأ أو تأمر إحدى النساء بالقراءة وهي التي تشرح ، قد كَفِلَتْ يتيماً على حسابها ، ولا تذهب إلى قصور الأفراح ، وهي قليلة الاختلاط بالنساء ، إنْ اجتمعت مع النساء لا تحضر إلاَّ للعلم أو الدعوة إلى الله عز وجل ، وليس عندها ذهبٌ فقد باعته كله قبل مرضها ، كانت تُرَكِزُ على البرامج الدعوية ، وما زال الكلام لأخيها ، وهي تُرَكِز على الخادمات بالأخَّصْ ، وتُعلِمُهُن وتُعطيهن بعض السور للحفظ ، كانت مُنذُ فترةٍ طويلة تتواصل مع أخيها على قيام الليل ، فالذي يقوم الأول هو الذي يتصل على الآخر قبل الفجر بنصف ساعة ، ثم بدأت أُمُّهُمْ حفظها الله وصبَّرها وثبَّتها معهم ، مع هذه المرأة المريضة وأخيها البَّارْ ...
ثم بدأت هذه المرأة تتواصى مع نساء الجيران ، وفي شِدَةِ مرضها في سَكَراتِ الموت ، لمّا كانت في المستشفى قبل وفاتها وفي أثناءِ المرض ما تَذَمَرتْ ولا تَأَفَفَتْ ولا جَزِعتْ ، بل كانت صابرةً مُحْتَسِبَةْ ، يقول أخوها : أشدُّ ما سَمِعْتُ منها من الكلمات قالت : يا ربِّ فرِّج عنِّي ، وكانت في أثناء السَكَراتْ يقرأ عليها أحدُ الدُعاة ، فماتت وهو يقرأ عليها رَحِمها الله ، أمَّا بالنسبةِ للتغسيل : لمّا أُحضرتْ لمغسلة الأموات يقول أخوها : قد أَصَرَّ الصغار و الكبار حتى الأطفال من العائلة يُلاحظون التغسيل ، فحضروا جميعاً في مغسلة الأموات وصَلّوا عليها ، أمَّا أخوها الذي كان يُلازمها فقال : لقد رأيتُها لمّا أُخرِجَتْ من الثلاجة قد تغير الشُحُوب الذي كان فيها والتعب انقلبَ إلى نورٍ و بَياضْ ...
وكانت هذه المرأة الصابرة المُحتسبة ــ رَحِمَهَا الله ــ رَأَتْ رُؤيا قبل وفاتها بشهرٍ ونصف ، كأنها جاءت لِدارٍ تُريدُ أن تدخُلها ، فَسَمِعَتْ رجال يقولون عند الدار ليسَ هذا بيتُك اذهبي إلى بيتٍ آخر ، ثم رَأَتْ قصراً أعلى من الأول وله دَرَجٌ رفيع أو سلالم رفيعة ، فلمّا أرادت أن تصعد ناداها رجُلان من أعلى القصر ، وهذا كله في الرؤيا ، وهي التي قَصَّتْ الرؤيا على من حولها ، وكان في أعلى القصر رجُلان عرضا عليها المُساعدة لِتصعد الدرج ، فَتَحَمَّلَتْ وتَصَبَّرتْ ثم صعدتْ بِنَفْسِها بعدَ تعبْ ، تقول : لمّا صَعَدتُ إلى القصر أَحْسَـسَتُ براحةٍ وسعادة وسُرور حتى وهي في المنام ، ثم قالت لِمَنْ حولها : لا تُفَسِّروا هذه الرؤيا ، فأنا إن شاء الله عز وجل أَسْتَبْشِرُ بِخير . فَرَحْمَةُ الله عليها ، وجَمَعَها وأهلها في الفردوسِ الأعلى .
القصة الثامنة عشر :
كَتَبَتْ إحدى مُديرات مدارس التحفيظ تقول : تَقَدَمَتْ امرأةٌ للتسجيل في مدرسةٍ من مدارس التحفيظ ، فلم تُقبل هذه المرأة لإكتفاء العدد ، ولأنها تَقَدَمَتْ هذه المرأة مُتأخرة إلى مكتب المديرة ، تقول تَقَدَمَتْ هذه المرأة وهي تبكي بِحُرقة وتقول : أرجوكم لا تَرُدوني ، فإنِّي والله مُسْرِفة على نَفْسِي في المعاصي ، وكُلَما عَزَمْتُ على التوبة والرجوع إلى الله عز وجل أَضعَفُ وأعود إلى ما كُنْتُ عليه ، تقول هذه المديرة : فلمّا سَمِعْتُ ما قالت ولَمَسْتُ صِدْقَ حدِيثِهَا ورأيتُ بُكاءها قَبِلْتُها ، ودخَلَتْ في ذلك العام في دورةِ الحِفْظ والتجويد ، أو في دورة الحفظ في سنة ، والتجويد في السنة التي بعدها ، تقول وبفضل الله عز وجل ، قد خَتَمَتْ كتابَ الله تبارك وتعالى ، وهي من المعلمات القديرات الداعيات إلى الله عز وجل ، بل مِن خِيرةِ الأخوات الصالحات ، ولا أُزكيها على الله عز وجل .
القصة التاسعة عشر :
امرأةٌ أخرى قاربتْ السبعين من عمرها ، تحفظ القرآن في نفسِ هذه المدرسة ، تحضرُ لِحِفْظِ القرآن في الصباح والمساء ، تقول هذه الكاتبه : هذه امرأةٌ عجيبة ، وصَلَتْ إلى السبعين ، امرأةٌ نَذَرت نفسها لله عز وجل وللأعمال الخيرية التي تُقرِّبها إلى الله جل وعلا ، فهي لا تَفْتُرُ ولا تَكْسَلْ ولا تستكين ، طوال العام تعمل في الصيف و الشتاء ، ولا تُرى إلاَّ في طاعةِ الله ، تعيش هذه المرأة في منزِلٍ كبير لوحدها مع عاملةٍ لها ، ورَّبَتْ هذه العاملة على العمل الخيري و الإحتساب ، ولها عدة أعمال منها : أنها تُشارك في كثير من البرامج بل تقول هذه الكاتبه : في كل برنامج أو مشروع أو جمع تبرعات ، ما يُقام شيء إلاَّ ويكون لها سهمٌ كبير ، وقد رزقها الله عز وجل ، أبناءَ بارِّين بها ، ويُعينُونها بالمال وبما تريد ، تقول فوالله إنَّ هذه المرأة مصدرٌ مهم بعد الله عز وجل ، بإمدادنا بالهمةِ العالية والعزيمةِ الصادقة ، وهي نموذجٌ حي يَنْدُرُ وجوده في هذا الزمان .
القصة العشرون :
جاء رجلٌ كان مُسرفاً على نفسه بالمعاصي ، وكان يشرب الخمر ، ويسهر مع رُفقاء السوء على الخمرِ و الغناء ، وكان يترك الصلاة أو يُصلي أحياناً حياءً أو خَجَلاً أو مُجاملةً ، وذات مرة زار هذا العاصي إحدى قريباته ، فَحَمِلَ طفلاً من أولادها ، فَبَالَ هذا الطفل على هذا الرجل العاصي المُسرف على نفسه ، يقول هذا الرجل بعد ما تاب ، فَقُلتُ لأمه خُذي هذا الطفل فقد بَالَ على ملابسي ، فقالت : الحمد لله أنه لم يَبُل على ملابس فُلان ، وكان قد حضر معه أحد أقاربها من محارمها فاستغرب هذا الرجل العاصي ، وكُلُنا ذلك الرجل ، وقال ما السبب ؟ قالت : أنت لا تصلي ، مثل هذا الرجل ، والبَول على الثياب لا يضرك ، بهذه الكلمات القليلة ، أنتَ لاتُصلي ــ لست مثل هذا الرجل ــ البول على الثياب لا يضرك يقول هذا العاصي : فَرَجَعْتُ إلى المنزل وتُبْتُ إلى الله عز وجل ، واغْتَسَلْتُ وتركتُ الخمر وهجرتُ رُفقاء السوء ، ولَزِمتُ الصلاة ، وفَرِحَتْ بي زوجتي المُتدينة التي تحُثُني دائماً على تركِ الخمر ، يقول الكاتب : لمَّا أَخَذَ منه بعض هذه القصة ، يقول الكاتب : لقد رأيتُ الرجل قبل موته يترك أي عمل إذا سَمِعَ المُؤذن ، وإذا كان في السيارة يقف عند أَقْرَبِ مسجد إذا سَمِعَ الأذان ، فرحمةُ الله عليه وعفـا عنَّـا وعنه .
القصة الحادية والعشرون :
امرأةٌ أُخرى مُتحجبة بعد الخمسين ، لقد تَقَدمت بها السِّن وهي لا تهتم باللباس الشرعي وليس عندها من ينصحها ، يقول أحد أقاربها : أنشَأت جماعة أنصار السُّنة المُحمدية في قريتنا مكاناً لتحفيظ القرآن الكريم ، وخَصَّصُوا مكاناً للنساء ، فبدأتْ هذه المرأة تحضر وتأثرت بالدروس والحجاب والصلاة ، وتركت مُصافحة الرجال ، وحَفِظَتْ بعض قِصار السور ، وتَحَجَبَتْ حِجاباً كاملاً ، وغَطَتْ وجهها ، ولمّا زاد عمرها وتَقَدمتْ بها السِّن ، قيل لها : إنَّ وضع الحجاب في حقك جائز لا بأس فيه ، ثم يذكُرون قول الله تبارك وتعالى {والقَواعِدُ مِنَ النِسَاءِ اللاتِي لا يَرجُونَ نِكَاحاً فَلَيسَ عَلَيهِنَّ جُناحٌ أنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيرَ مُتَبَرِجَاتٍ بِزِينَة } ، ثم يسكتون ، وتقول لهم أكملوا هذه الآية {وأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ واللهُ سَمِيعٌ عَلِيمْ} ، كانت تقول :أُريد العفاف ولطالما كَشَفْتُ وجهي وأنا صغيرة وأنا جاهلة ، فكيف أكشفه وأنا كبيرة مُتعلمة حافظة ، وبالتزامها بالحجاب تأثَرَتْ بها أصغرُ بناتها في البيت فَتَحَجَبَتْ كَأُمِّها .
القصة الثانية والعشرون :
امرأةٌ أمريكية يضربها زوجها ، أمريكية نصرانية تزوجها رجل سَيءُ الخُلُقْ ، يدَّعِي أنه مُسلم ، وطوال الثمان سنوات كما تقول لم يحدِّثها عن دينه ، وبعد مُدّة تقول : رأيتُ رؤيا في المنام سَمِعْتُ فيها الأذان ، وبعد مُدَّة وهي تُشاهد التلفاز رَأَتْ المسلمين في شهر رمضان في إحدى الدول وسَمِعَتْ الأذان مَرَّةً أخرى ، رَأَتْ المسلمين فقط في شهر رمضان ،قد يكونون ذاهبين إلى المسجد أو يُفْطِرونْ في الحرم ، وسَمِعَتْ الأذان مَرَّةً أخرى فارتاحتْ كثيراً ، وبدأتْ تقرأ وتبحث عن الإسلام ، فَأَسْلَمَتْ ، ومن أسباب إسلامها ، سَأَلَتْ عن أمرِ زوجها فقيل لها : أنه مسلم كَمِثْلِ هؤلاء الذين يصومون رمضان ، وكان عندها اضطراب بين زوجها وبين المسلمين في عقلها ، لكن تقول : عندما أسْلمتُ تَحَجَبْتْ ، فتلقاها زوجها سيءُ الخُلُقْ بالضرب والسَّبْ ، ومَزّقَ حجابها لأنه رجلٌ دبلوماسي كما يقول ، وهي تُحْرِجُهُ كثيراً بين المسؤولين بهذا الحجاب ، وازدادت مُعاملته سوءاً يوماً بعد يوم ، وكان يضربها بِشراسة وحقد حتى بَقِيتْ في المستشفى عدة أشهر تتعالج بسبب ضربه لها ، وعَمِلَتْ ثلاث عمليات في العَمُودِ الفَقَرِّي ، واستعملت كرسي العجلات سنة ونصف ، وصَلَ بهم الأمر إلى الطلاق ، وقد رَفَعَتْ هذه المرأة على زوجها دعوى عند القاضي ، لكن كانت تقول : هل أُسْقِطْ الدعوى عن هذا الرجل وأُفوض أمري إلى الله عز وجل أو أُطالبه به ، مع أنِّي سأضطرُ وأقِفْ أمام القاضي ، وهي لا تُريد ذلك ، لأنها احتمال أن تخضع إلى فَحْصٍ طبي لأجل أن تُكمل الدعوى ، فتضطر معها إلى عرضِ جسدها على الأطباء ، فهذا الذي دعاها لإسقاط الدعوى ، واستمرت هذه المرأة على دينها مُتَمَسِكَةٌ بحجابها ، ولم يُغير دينها هذا الرجل سيءُ الخُلُقْ .
القصة الثالثة والعشرون :
وأخرى كانت تنصح زوجها حتى يترك هذه العادة السيئة (( التدخين )) ، ولا يقبل ولا يهتم ولا كأنها تُكلمه ، ففي ذات مرة تقول : دخل علينا ابننا البالغ من العمر ثلاث سنوات وفي فمه سيجارة ، وبدون شعور من والده قام وصَفَعَ ابنه ، وهي أول مرة يضرب فيها زوجي أحد أبناءه ، لأنه رحيمٌ بهم يحبهم ويعطف عليهم ، فقالت الزوجة : بهذه الكلمات القليلة اليسيرة ، استغلتْ هذه الفرصة ودعت زوجها إلى الله عز وجل ، فقالت له : إنه يعتبرك القدوة لذلك يعمل مثل هذا العمل ، فخرجتْ هذه الكلمات من قلبٍ صادقٍ ناصح فَوقَعَتْ في قلبه ، فأقلع من ذلك اليوم عن التدخين .
القصة الرابعة والعشرون :
كلمة مؤثرة ، كانت هناك امرأة متهاونة في الصلاة ، زوجها كثير السفر ، ولِذَا فإنها اعتادت على الخروج دائماً من المنزل بلا استئذان ، حتى مع وجود زوجها تخرج بدون استئذان ، وكان إذا قَدِمَ من السفر يغضب إذا رأى خروجها وينصحها بعدم الخروج ، ويحُثَّها كثيراً على تربية الأولاد ، تقول هذه المرأة : لم أهتم كثيراً بما كان يقول ، وكُنْتُ أخرجُ بدون استئذان ، وكُنْتُ أَلْبَس الملابس الفاخرة ، وأتعطر بأحسنِ العطور ، وسَمِعتُ ذات مرة أنه سيُقام في منزل أحد الأقارب مُحاضرةً لإحدى الداعيات ، فذهبتُ إلى حضورها حُبَّاً للإستطلاع ، فَتَحَدَثَتْ هذه المرأة الداعية الحكيمة عن بعض مُخالفات النساء ، حتى أَبْكَتِ الحاضرات ، قالت هذه المرأة المُتهاونة : فتأثرتُ بها وسَأَلْتُها عن حُكْمِ الخروج من البيت من غير إذنِ الزوج ، فَبيَّنتْ لي أنَّ هذا حرام إلا بإذنِ الزوج ، وأَرشَدَتها أن لا تتبرج ، وأن تُحافظ على نفسها ، قالت : لمّا قَدِمَ زوجي من السفر اعتذرتُ منه وطلبتُ منه السماح والعفو ، واستأذنته للخروج مرَّةً من المرات فقال : مُُنذُ متى وأنتِ تستأذنين مني ، فقالت : له هذا الخبر وهذه القصة ، فَحَمِدَ الله عز وجل على نعمة الهداية
لا تُنْكِروا أَثَرَ الكلامِ فإنَّهُ أَثَرٌ عَجِيبٌ في النُفُوسِ مُجَرَّبُ
القصة الخامسة والعشرون :
امرأةٌ حفظها حجابها ، سافر زوجها وتركها مع أولادها وأوصى أخاه الكبير بأن يأتي إلى زوجته ، وأن يقوم بأعمال البيت ، ويُتابع الأولاد ، تقول هذه المرأة : كان يأتي هذا الأخ الكبير كل يوم تقريباً ، وكان لطيفاً في أولِّ أيامه ، لكن لمّا أكْثَرَ التردد علينا وليس عندي محرم ولم أتحجب بدأت تظهر منه تصرفاتٍ غريبة حتى قَدِمَ زوجي ، وكنتُ أريد أن أُفاتح زوجي في الموضوع ، لكن خِفْتُ من المشاكل ، ثم سافر زوجي مَرَّةً أُخرى ورجع أخوه إلى حالته الأولى ، من الحركات الغريبة ، والكلام العاطفي ، وبدأ يُعاكس زوجةَ أخيه ، وبدأ يحضر في كل وقت ، لِـسـببٍ أو بدون سـبب ، تقول هذه المرأة : لقد تَعِبْتُ من تصرُفاته ، فَكَّرتُ في الكتابة إلى زوجي لكن تَراجَعْتْ حتى لا أُضايقه لأنه في بلدٍ آخر ، يبحث عن المَعِيشَة ، وحتى لا تحصل المشاكل ، وقُلتُ لابد من نَصِيحَةِ هذا الخَائِنْ الغادر ، ونَصَحَتْ هذا الرجل الذي هو ليس برجل ، لكن لم ينفع فيه النُصح ، وتقول : كنتُ أدعوا الله عز وجل كثيراً أن يحفظني منه ، تقول فَطَرَأتْ عليَّ فكرة ، ففكرتُ في لبسِ الحجاب ، وتغطية وجهي ، وكتبتُ لزوجي بأنَّي سأتركُ مُصافحةَ الرجال الأجانب ، فشجعني زوجي ، وأرسَلَ لي كُتُباً وأشرطة ، وتقول هذه المرأة بعدما لبِسَتِ الحجاب : وعندما جاء شقيقُ زوجي كعادته ذلك الخائن ورآنِّي وَقَفَ بعيداً ، وقال : ماذا حصل ؟ قُلْتُ لن أُصافح الرجال ، إلاَّ محارمي ، فوقف قليلاً ثم نَكَّسَّ رأسه فَقُلْتُ له : إذا أردتَ شيئاً فَكَلِّمني من وراء حجاب فانصرفْ ، فَكَفَّ الله عز وجل شرَّهُ عنها .
القصة السادسة والعشرون :
أمّا ما جاء عن أُمِّ صالح ، امرأةٌ بلغت الثمانين من عمرها تتفرغُ لحفظ الأحاديث ، إنَّها نموذجٌ فريد من أعاجيب النساء ، أَجرتْ مجلة الدعوة حوارًا معها فقالتْ هذه المرأة إنّها بَدَأتْ بحفظ القرآن في السبعين من عمرها ، امرأةٌ صابرة ، عاليةُ الهمّة ، قالت هذه الحافظة الصابرة : كانت أُمنيتي أن أحفظ القرآن الكريم من صِغَري ، وكان أبي يدعوا لي دائماً بأن أحفظ القرآن كإخوتي الكبار ، فحَفِظتُ (3) أجزاء ، ثم تزوجتُ وأنا في الثالثة عشر من عمري ، وانشغلتُ بالزوج والأولاد ، ثم توفي زوجي ولي سبعةٌ من الأولاد كانوا صِغَاراً ، تقول : فانشغلتُ بهم ، بتربيتهم وتعليمهم والقيام بشؤونهم ، وحين رَبّتهم وتَقَدمتْ بهم الأعمار ، وتزوج أكثرُهُمْ ، تَفَرَغَتْ هذه المرأة لِنَفْسِها ، وأول ما سَعَتْ إليه أنَّها بدأتْ بحفظ القرآن ، وكانت تُعينها ابنتها في الثانوية ، وكانت المُعلمات يُشجعنَ البنت على حِفْظِ القرآن ، فَبَدَأتْ مع أُمِّها كُلَّ يوم تحفظ عشرة آيات ..
أمَّا طريقة الحفظ : كانت ابنتها تقرأ لها كل يوم بعد العصر عشر آيات ، ثم تُرددها الأُم ثلاث مرات ، ثم تشرح لها البنت بعض المعاني ، ثم تردد هذه الأم الآيات العشر ثلاث مرات أخرى ، ثلاث ثم تشرح ثم ثلاث ، وفي صباح اليوم الثاني تُعيدها البنت لأُمها قبل أن تذهب إلى المدرسة ، وكانت هذه المرأة الكبيرة في السِّن تستمع لقراءة الحُصَري كثيراً وتُكرر الآيات أَغْلَبَ الوقتْ حتى تحفظ ، فإن حَفِظَتْ أَكْمَلَتْ ، وإن لم تحفظ فإنها تُعاقب نفسها وتُعيد حفظ الأمس ، تُعيده في اليوم مع ابنتها ، وبعد أربع سنوات ونصف حَفِظَتْ هذه الأم اثنا عشر جزءاً ، ثم تزوجتْ البنت ، ولمّا عَلِمَ الزوج بشأن زوجته مع أمها وطريقة الحفظ ، استأجرَ بيتاً بالقُربِ من منزل الأم ، وكان يُشَجِّعُ البنت وأمها ، وكان يَحضُرُ معهن أحياناً ويُفَسِّرُ لَهُنَّ الآيات ، ويستمع لحفظهن ، واستمرتْ هذه البنت مع أمها ثلاثة أعوام أيضاً ثم انشغلت بأولادها هذه البنت ، ثم بَحَثَتْ البنت عن مُدَّرِسَةْ تُكْمِلُ المشوار مع أمها ، فأتت لها بِمُدَرِّسَة ، فَأَتَمَّتْ حفظ القرآن الكريم ، هذه المرأة الكبيرة أَتَمَّتْ حفظ القرآن وما زالت ابنتها إلى إجراء الحوار مع أُمها تواصل الحفظ حتى تلحق بالأم الكبيرة في السِّنْ ، وقد حَفِظتْ القرآن بعد أكثر من عشر سنوات ، أمَّا النِّساء حولها فَتَأَثرنَ بها ، فبناتها وزوجات أبناءها تَحَمَّسْنَ كثيراً وكُنَّ دائماً يضربنَ المثل بهذه الأم العجيبة ، وبَدَأْنَ بحلقة أسبوعية في منزل الأم للحفظ ، فصارت هي العالِمة بينهُنْ ، أو الحافظة بينهُنْ ...
وقد أَثَّرتْ هذه المرأة بحفيداتها ، فكانت تُشجعُهُنَّ بالإلتحاق بحلقات التحفيظ ، وتُقدم لهُنَّ الهدايا المُتنوعة ، أمَّا جاراتها فأول الأمر كُنَّ يُحْبِطْنَ عزيمتها ويُرددنَ إصرارها على الحفظ لِضَعْفِ حِفْظِها ، ولمَّا رأَينَ استمرارها وصبرها ، بَدَأنَ يُشَجِعْنها ، تقول هذه الأم المُربية العجيبة التي حَفِظَتْ القرآن بعد الثمانين : حينما عَلِمَتْ هؤلاء النِسْوة أَنِّي حَفِظْتُ القرآن رَأَيْتُ دُمُوعَ الفَرَحِ منهُنْ ، وهذه المرأة تَسْتَمِعْ كثيراً إلى إذاعة القرآن الكريم ، وتَقْرَأُ في صلاتها السور الطويلة ، بَدَأَتْ بالحفظ وعُمْرَهَا تجاوز السبعين ، ثمَّ لم تكتفي هذه المرأة بحفظ القرآن فقط ـــ بل انْتَقَلَتْ إلى حفظِ الأحاديث النبوية ، فهي تحفظ إلى إجراءِ الحوار (90) تسعين حديثاً ، وتحفظ مع إحدى بناتها ، وتعتمد على الأشرطة ، وتُسَمِّعْ لها ابنتها كل أسبوع ثلاثة أحاديث ، اسْتَمَرَّتْ هذه المرأة أكثر من عشر سنوات في الحفظ ، تقـــول : أَحْسَـسْتُ بِإِرْتِياحٍ عجيب بعد حفظِ القرآن ، وغَابَتْ عَنِّي الهموم والأفكار ، ومَلأْتُ وقْتَ فراغي بطاعة ربي ، اقْتَرَحَتْ عليها بعض النسوة أَنْ تَدخُلَ في دُورِ تحفيظ القرآن ، فَأجَابتْ هذه المرأة وَرَدَّتْ فقالت : إِنِّي امرأةٌ تَعَودتُ على الجُلُوس في البيت ولا أَتَحَمْلُ الخروج ، وتدعُوا كثيراً لإبنتها وتَشْكُرها بأنَّها بَذَلَتْ معها الكثير الكثير ، تقول : وهذا من أَعْظَمِ البِرِّ و الإحْسَانْ ، خَاصَّةً أَنَّ البنت كانت في مرحلة المُراهقة ، التي يشكوا منها الكثير ، فكانت البنت تضغط على نَفْسِهَا وعلى دراستها لِتُفَرِّغَ نَفْسَهَا لِتَعْلِيمِ أُمِّها بِصَبْرٍ و حِكْمَة ، وثُمَّ خَتَمَتْ هذه المرأة الصالحة وقالتْ : لا يأْسَ مع العَزِيمَةِ الصَادِقَة ، ولا يَأْسَ مع قُوةِ الإرادة والعَزمِ والدعاء ، ثُمَّ البداية في حفظِ القرآن ، ثُمَّ قالتْ : والله ما رُزِقَتْ الأُمُّ بِنِعْمَةٍ أَحَبِّ إليها من ولدٍ صالحٍ يُعِنُها على التَقَرُّبَ إلى الله عز وجل .
صَدَقَ الشاعِرُ حينَ قال :
بَصُرْتُ بِالرَّاحَةِ الكُبْرى فَلَمْ أُرَها *** تُنَالُ إلاَّ على جِسْرٍ مِنَ التَعَبِ
القصة السابعة والعشرون :
مُعلِمةٌ ماتت ، تُوفيت إحدى المُعَلِّمَاتْ الدَّاعِياتْ مَعَ زَوجِهَا في حَادِثْ ، وكَتَبَتْ عَنْها بعض الطَالِبَاتْ ، بعض المَقَالاتْ في إِحْدَى الصُحُفْ ، فَمِنْ ذَلِكَ قالتْ إِحْدَاهُنْ : رَحِمَكِ الله أُسْتَاذَتِي ، جَعَلْتِ جُلَّ اهتِمَامَكِ الدعوة ، وجَعَلتِ نَصْبَ عينيكِ إيقاظُ القُلُوبِ الغافِلَة ، فَأَنْتِ المَنَارُ الذي أَضَاءَ لنا الطريق ، لَنْ يَنْسَاكِ مُصَلَّى المدرسة ، لكن سَيَفْقِدُ صَوتَكِ العَذْبْ ، وكَلامَكِ الرَّصِينْ ، والقِصَصَ الهادِفَة التي تَأْتِينَ بها ، والمَواعِظَ الحَسَنَة ، ولَنْ أَنْسى جُمُوعَ الكَلِمات التي تَصْدُرُ منها ، ولن أنسى المُعلمات ولا الطالبات اللاتي يُسْرِعْنَ لِحُضُورِ درسَكِ في وقْتِ الإِسْتِراحة ، فَسَتَبْقَى كَلِمَاتُكِ ونَصَائِحُكِ مَحْفُوظَةً في جُعْبَتِي لن أَنْساها ما حييتْ .
لا تُنكِروا أَثَرَ الكَلامِ فَإِنَّه ُ أَثَرٌ عَجِيبٌ في النُفُوسِ مُجَرَّبُ
ومَهْما كَتَبْتُ أو دَوّنْتُ فَلَنْ أَصِلَ إلى نِصْفِ ما بذلتيه لنا .
وقالت طالبةٌ أخرى عن هذه المعلمة : ما زَالَتْ كَلِمَاتُها في قلبي إلى الآن ، لمّا قالت لي ناصحةً لي : إنَّ للإيمانِ طَعْمَاً حُلْواً لَنْ يَتَذَوقْهُ إلاَّ مَنْ أَطَاعَ الله عز وجل . مازالتِ القِصَصْ التي قُلْتِيها في قلبي ووجداني ، لقد رأيتُها في المنام قبل وفاتها ، سَمِعْتُ صوتاً حول هذه المُعَلّمَة يقول : هذه المرأة على طريقِ العُلَمَاءْ ، تقول هذه الطالبة : فلمّا أَخْبَرتُها تَبَسْمَّتْ . ـــ رَحِمها الله ـــ على ما بذلته من أعمال الخير .
القصة الثامنة والعشرون :
تقول الفنانة التائبة سُهير رمزي : لأول مرة أذوقُ طعم النوم ، قريرةَ العين ، مُطْمَئِنَةَ البَالْ ، مُرتَاحةَ الضمير ، وأمّا سبب هدايتها فعجيب : ــ كانت قبل أن تتحجب ، ولمّا كانت تُزاولُ الفَنْ ، حَضَرتْ على مركزٍ لِتَعْلِيمِ القرآن ، ولإجتماع الدُعاة والداعيات في مصر ، وكان هذا المركز بِمَالِ إحدى التائبات من الفنانات ، وهي ابنة الشيخ الحُصَرِي ــ رحمه الله ــ تقول : إنَّ هذه الفنانة التائبة أو المُمَثلة التائبة ، لمّا تابت أقامت هذا المركز وجعلت شيئاً من الوقف لأبيها المُتَوفَّى القاريء الحُصَرِي ــ رحمه الله ــ وثَبَّتَ ابنته على الحق والخير ، تقول : كانت هذه الشَابَّة البَارَّة بأَبيها ــ رحمه الله ــ تُحْضِر بعض الدُعاة ، فَحَضر أحدُ الدُعاة ، لبعضِ النِّسْوة وكانت هذه ( سُهير رمزي ) حاضِرة بين النساء ، وهي غير مُتَحجِّبة ، تقول : أَوّل ما بدأ المُلقي يتكلم ، تَكَلَّمَ وقال : إنَّ تسعةً وتسعين من أشراطِ الساعة الصُغْرى قد ظَهَرتْ ، وإنَّ هذه الزلازل التي نَراها في العالم إنَّها تُؤْذِنُ بِقُربِ القيامة الكُبرى .
ثُمَّ تلا قول الله تعالى : {إذا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الإِنْسَانُ مَالَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهْ} [ سورة الزلزلة ] .
تقول : فلم أتمالك نفسي وبكيتُ كثيراً كثيراً ، وعَرفْتُ أنِّي ضائعةٌ تائهة ، ثُمَّ أسندتُ رأسي على كَتِفِ أمي وقلت : إنِّي أُعْلِنُ الرجوع إلى الله عز وجل ، ثُمَّ لمّا تَابَتْ تقول : لأول مرة أذوقُ طعم النوم ، قريرةَ العين ، مُطْمَئِنَةَ البَالْ ، مُرتَاحةَ الضمير .
القصة التاسعة والعشرون :
منى عبد الغني ، فنانةٌ سابقة ، أَعْلَنَتْ توبتها إلى الله عز وجل ، لَبِسَتْ الحجاب ، وطالَبَتْ وسائل الإعلام ألاَّ تُخْرِجُ شيئاً من أغانيها ولا صورها ، تقول أمّا بداية هدايتي فقالت : كنتُ أُفَكِّرُ دائماً لو جاء الموت إليَّ وأنا على هذه الحال ، وأنا غير مُستعدة للقاء ربي ، فماذا أفعل ؟ وكُنتُ أصحوا فَزِعَةً من النوم أحياناً ، لأُحاسبَ نفسي بشدة ، أُريدُ جواباً لهذا السؤال ؟ أُريدُ تطبيقاً لهذا السؤال ؟ قالت : كانت أخواتي يرتدين الحجاب ، وعائلتي مُتَدَينَةْ ، وأخي ممدوح ــ رحمه الله ــ يُلِحُّ عليَّ دائماً بأن ألبس الحجاب ، لا تُنكرُ أثر الكلام تـقول : قبل وفاته بأربعين يوماً كان يُحضِرُ لها الأشرطة الدينية ، والمواعظ عن الموت وعن الآخرة ، وبعد الحج رجع إلى مقرِّ عمله في باريس ، ومات وهو ساجد ، نسألُ الله من فضله ، فلمّا مات تقول : أفَقْتُّ من هذا السُباتِ العظيم ، وأَفَقْتُ على هذا النور الذي بَزَغَ لي وسَطَ الظلام ، وقبل أن يُوارى جُثْمَانُ أخي قررتُ ارتداء الحجاب واعتزال الفن ، بعد ذلك تَحَسَّنَتْ أَحْوالَهَا مع الله عز وجل ، وأَقْبَلَتْ عليه بالعبادات ، وتَرَكَتْ العمل في معهد المُوسِيقى ، وتَفَرَّغَتْ لابنتها ، لِتَربيتها تربيةً صالِحة ، وتقول : لَنْ أَعُودَ لِلْفَنِّ مهما كانت المُغْريات ، وأقول أخيراً : والكلام لها : ربنا لا تُزِغْ قلوبنا بعد إذ هديتنا .
وأمّا أخوها ممدوح ــ رحمةُ الله عليه ــ فَيَحْسُنُ أَنْ يُقالُ عنه ما قال الشاعر :
يا رُبَّ حيٍ رُخَامُ القبرِ مَسْكَنَهُ *** ورُبَّ مَيْتٍ على أَقْدامِهِ انْتَصَبَا
القصة الثلاثون :
امرأةٌ أخرى تتمنى أنَّها إذا دَخَلَتِ الجَنَّة ، أَنْ تَجْلِسَ تَحْتَ شَجَرَةٍ ، وتُصَلِّي وتَعْبُدُ الله عز وجل ، لِحُبِّها للصلاة وتَعَلُقِها بها .
أَشْرِقِي يا مَعْدَنَ الطُهْرِ الثَمِينْ دُرَّةً بالحَــقِّ غَــرَّاءَ الجَـبِيـنْ
شُعْلَـةً تُوقــِظُ فـي أَرْواحِنـَا خَامـِدَ العَــزْمِ وأَنْـوارَ اليَقِيــنْ
يــا ابْنةَ الإِسْلامِ يا نَسْـلَ الهُلى سََطَّروا الأَمْجَاد بِالفَتْحِ المُبـــِينْ
فَتَّحُوا الأَقَفَالَ في وجْهِ الضُحـى أَسْعَدُوا الإِنْسَانَ في دُنْيا و دِينْ
فَجَّـروا تِلْكَ الينَـابِيع التي تَسْتَقِي مِنْهَا قُلُــــوبُ المُؤمِنِين
أَبْشِرِي يا أُخْـتُ بالفَجْـرِ الـذي سَوفَ يأْتِي في عُيونِ القاَدِمين
مُـحْـصَـناَتٍ فـي خـدُوُرٍ زُودَتْ بِالـتُقَى و الخـلُـقِ البَرِّ الثَمِينْ
امْـلَئِي الأَرْضَ سَـلامَاً وآ سَلام وازْرَعِي الدُنْيا ورُودَ اليَاسَمِينْ
أَنْتِي يا أُخْـتَاه إِشْـراقَ المُنَى فَاصْعَدِي العَلياءَ بِالدِينِ الحَصِينْ
كُلُّ مَـا نَرجُوهُ يا ذَاتَ الضِــياء أَنْ تَكُــونِي شَرَفَــاً في العَالَمِـين
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً . . .
منقول